وجدت أن مشاري ينشر هذا المقطع ويثبته في حسابه وكنت أنوي الرد عليه في يوتيوب لكنه للأسف يبلغ على المقاطع وحذف حلقة الأخ عبد الله الشريف وألزمه بحذف الأجزاء التي اقتبسها فيها
الرد سيكون طويلا لكنه ينسف كل أكاذيب مشاري مع العلم هو هنا لا يتهم الإخوان فحسب بل يتهم كل مصلح سواء كان إخوانيا أو سلفيًا لكن لرواج الهجوم على الإخوان حاليا ومع التصنيف الأمريكي فقد خصص المقطع عنهم
https://x.com/Alafasy/status/1995847863272964494
الرد التفصيلي على الحلقة:
خطاب مشاري العفاسي ليس مجرد رأي سياسي عابر، بل هو نفس فكر مدرسة “الجامية/المداخلة” في أقصى تجلياتها وتناقضاتها.
فكل من عارض الحاكم السياسي أو نازعه أو طالبه بالإصلاح فهو خارجي مارق من الدين، ينطبق عليه حديث (كلاب النار)، ومشابه لذي الخويصرة”.
والهدف الخفي لهذا الطرح ليس حماية الدين، بل “تأميم الدين” لصالح الحاكم، وتحويل النصوص النبوية الشريفة من أدوات لتقويم الاعوجاج إلى سياط لجلد المصلحين، مع خلط الأوراق بين المعارضة السياسية المشروعة وبين الغلو العقدي المكفر.
الخلل المنهجي الجسيم في كلام العفاسي يكمن في التلاعب بالمصطلحات الشرعية وإخراجها عن سياقها التاريخي والعقدي لخدمة غرض آني.
العفاسي يستخدم لفظ “الخروج” ضد كل معارضة ومطالبة بالحقوق ويسقط عليه أحكام “الخروج” بمعناه العقدي الخاص بفرقة الخوارج المارقة.
وهذا تدليس منهجي؛ فليس كل من قال رأياً أو قولاً أو مطالبةً صار خارجياً، وإلا لكان الحسين بن علي وابن الزبير -رضي الله عنهم- وسعيد بن جبير من الخوارج وحاشاهم!
فالخوارج فرقة لها أصول عقدية محددة (تكفير بالكبيرة، تخليد العصاة في النار، استحلال دماء المسلمين)، فمن لم يقل بهذه الأصول لا يصح عقلاً ولا شرعاً تسميته خارجياً لمجرد خلاف سياسي، بل هذا التوظيف هو عين “الافتراء في الدين”.
ومن التناقضات الفجة في كلامه، أنه يتهم المخالفين بـ”الدخول في النيات” حين يتحدثون عن الحكام، ثم يقع هو في نفس ما نهى عنه بصورة أشد قبحاً، فيجزم بأن دوافعهم هي “حب المال والرئاسة” حصراً!
كيف اطلع على قلوب ملايين البشر وحصر نياتهم في الدنيا؟ أليس هذا تألياً على الله واقتحاماً للسرائر؟
ثم يستدل بقصة “ذي الخويصرة” الذي اعترض على قسمة النبي ﷺ، وهذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأن الاعتراض على المعصوم ﷺ كفر ونفاق، أما الاعتراض على الحكام الظلمة -الذين لا عصمة لهم ولا قداسة- فهو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف ساوى بين مقام النبوة المعصوم ومقام الحكام الملطخ بالظلم والدماء والحرب على الدين ونشر الفساد؟
هذه التسوية هي عين الغلو الذي يرمي به غيره.
فإذا كان كل من طالب بالعدالة وتوزيع الثروة أو انتقد الفساد المالي “طالباً للدنيا ومنازِعاً في الملك” وشبيهاً بذي الخويصرة، فإن هذا يقتضي تعطيل شعيرة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” تجاه السلاطين نهائياً، ويحول الإسلام إلى ديانة كهنوتية تشرعن الفساد وتحمي سراق المال العام تحت مظلة “طاعة ولي الأمر”.
هذا المنطق يجعل نصوص الوحي حارساً لفساد الطغاة بدلاً من أن تكون حامية لحقوق المستضعفين، وهو قلبٌ لمقاصد الشريعة التي جاءت لحفظ المال والنفس والدين، لا لحفظ كراسي الحكم على حساب دماء الشعوب.
اعتمد العفاسي في استدلاله على نصوص صحيحة لكنه وضعها في غير موضعها، وهذا هو صنيع أهل البدع.
إنَّ الأصل الفاصل في تعريف الخوارج عند أهل السنة والجماعة هو: التكفير بالذنوب التي ليست بكفر، واستحلال دماء المسلمين بذلك التكفير.
قال ابن تيمية رحمه الله: «والفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع، أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب، ودارهم هي دار الإيمان».
فهل الجماعات التي ينتقدها العفاسي (كالإخوان وغيرهم في سياق الثورات أو المعارضة السلمية) تكفر بالكبيرة؟
هل يعتقدون أن الزاني والسارق كافر مخلد في النار؟
الجواب: لا. هم على عقيدة أهل السنة في هذا الباب.
إذن، وصفهم بالخوارج هو كذب صريح.
أما استدلاله بحديث: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية» لتجريم أي نقد علني، فهو بتر للنصوص وانتقائية مخلة.
فقد تجاهل عمداً أحاديث أخرى صحيحة وصريحة تؤسس لفقه الإنكار العلني عند الاقتضاء، منها قول النبي ﷺ: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» (رواه الحاكم وصححه الألباني).
وقوله ﷺ: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
وقوله ﷺ: سيكون أمراء من بعدي يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده.
إنَّ علماء الأمة ميزوا بين “النصيحة” التي تكون سراً، وبين “الإنكار” الذي يكون علنياً إذا ظهر المنكر وعمَّ، ولم يقل أحد من المحققين إن الإنكار العلني خروج يبيح الدم كما يفعل الحكام بالمعارضة!
بل إن سيرة السلف طافحة بالإنكار العلني، كإنكار أبي سعيد الخدري على مروان بن الحكم تقديم الخطبة على الصلاة، وإنكار ابن جبير على الحجاج.
فهل كان هؤلاء خوارج عند العفاسي؟
وفيما يتعلق بفرية “حب المال” وقياسهم على ذي الخويصرة، فهذا تلبيس بين “المنافقين” و”الخوارج”.
ذو الخويصرة كان أصل نبتة الخوارج، نعم، لكن الخوارج التاريخيين (الأزارقة وغيرهم) عُرفوا بالزهد الشديد والعبادة والتقشف، لا بطلب الدنيا.
وصفهم النبي ﷺ بأنهم “يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم”، ولم يقل “يحقر دنياه مع دنياهم”.
فاتهام المعارضين اليوم بأنهم “طلاب دنيا” بناءً على صفة الخوارج هو جهل مركب بالتاريخ.
العفاسي يخلط بين صفات “المنافقين النفعيين” وبين صفات “الخوارج الغلاة”، ويرمي خصومه بكل حجر يجده دون تمييز، وهذا دليل على إفلاس علمي وتخبط في التصنيف العقدي.
يزعم العفاسي أن الخوارج هم الذين يخرجون على الحكام ويشقون العصا، وأن هذا هو الوصف الجامع لهم.
والواقع يشهد أن التيارات التي يهاجمها العفاسي (كالإخوان) وصلوا في بعض المراحل إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع (كما حدث في مصر وتونس)، ثم خُرج عليهم بالسلاح والقوة العسكرية، وقُتلوا وحُرقوا.
وفقاً لقاعدة العفاسي، فإن من خرج على هؤلاء الحكام (الإخوان حين كانوا في السلطة) هو “الخارجي” الذي يجب قتاله، وأن الإخوان كانوا هم “أولي الأمر” الواجبة طاعتهم!
لكن العفاسي وقومه فعلوا العكس تماماً؛ باركوا الخروج على الإخوان، وشرعنوا قتلهم، ثم وصفوهم (وهم الضحايا والمقتولون) بأنهم خوارج!
الخلاصة: هذا يثبت أن مصطلح “ولي الأمر” و”الخوارج” عند العفاسي ليس مصطلحاً شرعياً منضبطاً، بل هو مصطلح سياسي مطاطي؛ فالحاكم هو “من نرضى عنه”، والخارجي هو “من نخاصمه”، بغض النظر عن الموقع الشرعي أو السياسي.
يصف العفاسي خصومه بأنهم “حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام”. هذا الوصف النبوي للخوارج يعني طيش العقل وعدم الفقه.
لكن، هل ينطبق هذا على حركات تضم في صفوفها آلافاً من أساتذة الجامعات، والأطباء، والمهندسين، والمفكرين، والعلماء الشرعيين (خارج المؤسسة الرسمية)؟
هل يمكن عقلاً وصف تيار يملك مؤسسات فكرية ومشاريع نهضوية (سواء اتفقت معها أو اختلفت) بأنهم مجرد صبية طائشين؟
وإذا كان “حدث السن” مذمة، فما قول العفاسي في أن كثيراً من الصحابة الذين فتحوا الدنيا وقادوا الجيوش كانوا شباباً؟
قد يقول قائل: “لكن هؤلاء يهيجون الناس، والتهييج يؤدي إلى الفتنة وسفك الدماء، وهذا من فعل الخوارج”.
الجواب: التهييج نوعان؛ تهييج بالباطل وتكفير للمجتمع (وهذا فعل الخوارج)، وتهييج بطلب الحق ورفع الظلم (وهذا فعل المصلحين).
تسمية المطالبة بالحقوق “فتنة” هو منطق فرعوني عتيق: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.
الخوارج يستحلون الدماء ابتداءً، أما هؤلاء فغالباً ما يكونون هم الضحايا، فكيف يُقلب المجني عليه جانياً؟
ثم إنَّ “الفتنة” الحقيقية هي شيوع الظلم واستعباد الناس لغير الله ونشر الفساد والكفر، والسكوت عن المنكرات العظام التي تهدم هوية الأمة، وهو ما يمارسه الحكام ويسانده في ذلك التيار المدخلي بصمته المخزي ومحاربة كل من يحاول الإصلاح أو الإنكار.
قد يقول أحدهم: “إنهم يكفرون الحكام، ومن كفر الحاكم فقد شابه الخوارج”.
الجواب: هذا تدليس آخر.
هناك فرق بين تكفير “المعين” بشروط وضوابط شرعية (وهو باب دقيق عند العلماء)، وبين منهج الخوارج الذي يكفر بـ “مطلق الذنوب”.
كثير من الحركات الإسلامية المعاصرة لا تكفر الحكام أصلاً، وإنما تعارضهم سياسياً.
وحتى من كفّر حاكماً معيناً لوقوعه في ناقض من نواقض الإسلام (كموالاة الكفار أو تبديل الشرائع)، فهذا ليس خارجياً بالضرورة، فقد كفّر العلماء حكاماً بأعيانهم (كالعبيديين) ولم يصيروا خوارج.
الخارجي هو من يكفر بالذنب الذي دون الشرك، أما الحكم بالردة بضوابطها فهو حكم شرعي قد يُصيب فيه القائل أو يخطئ، لكنه لا يجعله من “كلاب النار” إلا في قاموس المداخلة الذي جعل الحاكم صنماً لا يُمَس.
يقول أيضًا: “العلماء الكبار (مثل ابن باز وابن عثيمين) حذروا منهم”.
والجواب: العلماء الربانيون كلامهم في سياق النصح والتقويم، ولم يقل أحد من كبار المحققين إن الإخوان أو غيرهم هم “خوارج مارقون من الدين كفار مخلدون في النار” كما يفعل الخوارج.
بل إن كثيراً من هؤلاء العلماء أثنوا على جهود هذه الجماعات في الدعوة ومحاربة الإلحاد.
الاستدلال بكلام العلماء يتم بانتقائية مريضة، فيأخذون التحذير من خطأ إداري أو منهجي ويجعلونه حكماً بالإخراج من الملة أو الإلحاق بفرق الضلال الكبرى، وهذا خيانة للأمانة العلمية.
الخلاصة: محاولة مشاري العفاسي إسقاط أحاديث الخوارج -الذين يكفرون بالذنوب ويقتلون أهل الإسلام- على خصوم سياسيين يطالبون بالإصلاح أو الشورى، هي عملية “سطو وتحريف” للنصوص الشرعية، وتوظيف سياسي فج للدين يخدم الطغيان لا الإيمان.
العفاسي وتياره يمارسون مع الحكام عقيدة “الإرجاء” (لا يضر مع الإيمان ذنب)، ويمارسون مع الشعوب والدعاة عقيدة “الخوارج” (استحلال الأعراض والرمي بالمروق لأدنى خلاف).
التستر خلف “طاعة ولي الأمر” لتسويغ الظلم هو جناية على الشريعة ومن جعل الطاعة العمياء للحاكم الظالم معياراً للسنة، ومعارضتَه علامةً للمروق، فقد ابتدع في الدين ديناً جديداً، ووالى الظالمين وعادى المصلحين، وحقيقة الخوارج هي تكفير المسلمين بالذنوب، وحقيقة المداخلة هي تبديع المسلمين بالحقوق.

