إنَّ من أعظم الجرائم وأخطرها، وأقسى المصائب وأفجعها، هو أن يتجرأ الإنسان على سبِّ الخالق العظيم، ربِّ السماوات والأرض. هذا الذنب ليس كأي ذنب؛ إنه المُهلِكُ الأكبر الذي يقطع العلاقة بين العبد وربِّه، ويُخرجه من دائرة الإيمان إلى ظلمات الكفر.
👈 فِعلٌ لم يجرؤ عليه حتى إبليس!
قد يغفل البعض عن خطورة هذا الأمر، لكنَّ الحقيقة المرعبة هي أنَّ سبَّ الله تعالى جريمة لم يقع فيها حتى إبليس، رأس الكفر والضلال. فإبليس، الذي أبى السجود لأمر الله وحقَد على آدم وذريته، لم يتعدَّ حدَّه ليسبَّ الخالق سبحانه. بل إنه عندما تحدَّث، أقسم بعزَّة الله!
قال الله تعالى في سورة ص: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (ص: 82).
لقد أقرَّ إبليس بعزَّة الله تعالى وجلاله، واستخدمها قَسَمًا في إعلانه للحرب على بني آدم. فإذا كان كبير الشياطين قد توقَّف عند هذا الحد من الأدب مع الرب، فكيف يتجرأ إنسانٌ ضعيفٌ مخلوقٌ من ماءٍ مهينٍ على فعل ما لم يفعله إبليس اللعين؟
🛡️ سبُّ الله أشد خطرًا من عبادة الأوثان
قد يظنُّ البعض أنَّ عبادة الأصنام هي قمة الكفر، وهي كذلك بلا شك. ولكن سبَّ الله تعالى هو أشدُّ وأخطر، ولعلَّ وجه الخطورة يكمن فيما يلي:
الكفر الصريح والمباشر: عابد الوثن ضلَّ طريق التوحيد، ووجَّه عبادته لغير الخالق ظنا منه أنه يتقرب إلى الخالق وهو مع ذلك لا يسبه ولا يتطاول عليه. أمَّا سابُّ الله، فقد وجَّه الإهانة والإساءة والسب إلى الإله العظيم مباشرة. إنه ليس ضلالًا في الطريق وحسب، بل هو تحدٍّ وقِحٌ وجحودٌ متعمَّدٌ لربوبية الله وألوهيته.
الجحود المطلق: عباد الأوثان غالبًا ما يعترفون بوجود خالق أعظم هو الله، لكنهم يشركون به اعتقادًا منهم أنَّ الأصنام تقرِّبهم إليه. بينما سابُّ الله يُعلن عداوته المطلقة لخالقه.
لهذا، يعتبر العلماء أنَّ سبَّ الله عز وجل هو أشدُّ الكفر وأغلظه على الإطلاق، وهو إعلان صريح للكفر والخروج من الملة.
🚫 حكم سبِّ الله: كفرٌ وخروجٌ عن الملة
إنَّ الإجماع منعقدٌ بين أهل العلم على أنَّ سبَّ الله تعالى أو سبَّ رسله أو كتبه أو دينه هو كفرٌ بواحٌ وردَّةٌ عن الإسلام.
دليل القرآن: قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (التوبة: 65-66).
إذا كان الاستهزاء، وهو أخفُّ من السبِّ، قد أدى إلى تكفير صاحبه، فكيف بالسبِّ الصريح الشنيع؟ إنَّ سابَّ الله قد أسقط بنفسه ركن الإيمان الأهم، وهو الإيمان بالله وتعظيمه، وخرج بذلك عن ملَّة الإسلام.
لا عذر لغضبان… إنها وقاحة الجبان!
من أخطر الأمور التي تنتشر في مجتمعاتنا هي استخدام سبِّ الله عز وجل كـ “شماعة” لتفريغ الغضب أو التعبير عن الضيق. قد يقول الغاضب: “لقد قلتها دون وعي مني”، أو “كنت شديد الغضب”.
وقاحة في حضرة الجبار وجُبنٌ أمام المخلوق: هنا تظهر حقيقة هذا العبد المخذول، سابُّ الله عز وجل. إنه لا يسبُّ خالقه العظيم إلا لسبب واحد: الجبن المطلق! لماذا؟ لأنه يتيقن أنه لن يُعاقَب على الفور في الدنيا على وقاحته. إنه يعلم أن ربَّه حليم ستار يمهل ولا يهمل، وأن حلمه سبحانه هو الذي سمح له بالتنفُّس لثوانٍ بعد تلك الجريمة الشنعاء.
هذا الشخص الحقير الجبان الوسخ، الذي يتفجَّر بالسباب في حق الله متى ثار غضبه، هو ذاته الشخص الذي يرتجف خوفًا من أن يوجِّه كلمة نقد واحدة لعسكري أو رجل شرطة في الشارع! إنه لا يجرؤ على أن يسبَّ ضابطًا أو مسؤولًا، فضلًا عن أن يسبَّ رئيسًا أو أميرًا؛ لأنه يعلم أنَّ ردَّ الفعل من هذا المخلوق سيكون فوريًّا وحاسمًا.
فسبحان الله! تجرَّأ على مَن هو أشدُّ بطشًا وأعظمُ انتقامًا، وخاف مِمَّن هو أضعف خلقًا وأقلُّ شأنًا! هذا الازدواج في السلوك لا ينمُّ إلا عن نفس وسخة خالية من أي وازع إيماني أو خلقي، نفسٌ تتَّخذُ من حلم الله ستارًا لوقاحتها، ومن قوة المخلوق حاجزًا لجُبنها.
هذا دليل على ضعف الإيمان: إنَّ هذا الفعل ينمُّ عن ضعف إيمان كامن، حيث لم يجد الشيطان مدخلًا أسهل للنفاذ إلى لسان العبد إلا عبر هذه الكلمة القبيحة فور اشتداد غضبه.
يجب على كل مسلم أن يتَّقي الله، وأن يدرك أنَّ سبَّ الله ليس مجرد خطأ أو معصية، بل هو الخط الأحمر الأشدّ الذي لا يمكن تجاوزه. ليتذكر العبد دائمًا:
من أنت؟ مجرد قطرة، تعيش بفضل ربّك.
من هو؟ هو العزَّة، الجلال، القوة، الذي لا شيء يعجزه في الأرض ولا في السماء.
إذا ثار غضبك، فاذكر الله، وتعوَّذ من الشيطان، واصمت، ولا تجعل لسانك جسرًا تعبر عليه إلى جهنم بسبب لحظة غضب عابرة.

