سمعنا مؤخرًا من يقولون نحن الفرقة الناجية والعجيب أن هذه الجماعة همّها الوحيد موالاة الحكام ونقد المصلحين ودائمًا تجدهم في صفوف أعداء الأمة!
والسؤال هنا: هل صارت النجاة هي مجرد السلامة الدنيوية والابتعاد عن مواجهة الظلم والبقاء في المنطقة الآمنة؟!
إن مفهوم “الفرقة الناجية” ليس مجرد شعار يُرفع لجماعة بعينها، ولا هو ضمان للنجاة من بلاء الدنيا وسجونها.
بل هو وصف نبوي لمن يتمسكون بحبل الله المتين وسنة نبيه الكريم، حتى في أحلك الظروف وأشدها فتنة.
الفرقة الناجية الحقيقية ليست مجموعة تحمل اسمًا معينًا، بل هي صفات راسخة ومنهج ثابت، وهي صفة تتوزع في جسد الأمة ولا تنحصر في حزب أو تنظيم.
هذه “الطائفة المنصورة” قد تكون فردًا، أو عالمًا، أو عابدًا، أو مجاهدًا مرابطًا، أو جماعة من الناس متفرقة في شتى بقاع الأرض، يجمعهم شيء واحد: الاستقامة على دين الله والتمسك بالحق.
هم أولئك الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.”
هم متفرقون في الأمة: تجدهم في كل مكان؛ منهم الفقيه، والمجاهد في سبيله، والآمر بالمعروف، ومنهم الفقير والغني، والقوي والضعيف.
قد يكونون في مساجد، أو بيوت، أو في رباط وجهاد.
المتمسكون بالحق مهما كلف الثمن: هم الذين يصدعون بكلمة الحق، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون في الله لومة لائم. ولذلك: لا يضرهم من خذلهم؛ لأنهم لا يعتمدون على قوة البشر أو تأييدهم، بل على الله وحده.
المتبعون للسُّنّة: الذين لا يغلّبون هوى شيخ أو سلطان على نصوص الوحيين، ولا يبتدعون في الدين ما ليس منه. ولذلك: لا يضرهم من خالفهم؛ لأن الحق أحق أن يُتّبع ولو كان المخالف هو الأغلبية أو ذو النفوذ.
أهل الوسطية والاعتدال: الذين يجمعون بين الخوف والرجاء، وبين العلم والعمل، وبين الدعوة والتربية، ولا يميلون مع كل ريح، فهم ينجون من الغلو والجفاء.
خلاصة القول: إن من يرى النجاة في تجنب السجن أو تجنب الغضب البشري، فقد اختزل مفهوم النجاة الأسمى في شبر من أرض الدنيا الفانية.
أما الفرقة الناجية الحقيقية، فهي التي تنجو يوم القيامة من عذاب الله وسخطه، لا يضرها أن تكون في سجن أو قصر، ما دامت ثابتة على المبدأ، وصادقة في القول والعمل، تحمل همّ الأمة وتتألم لآلامها، وتجعل همها الأكبر رضا ربها.
نسأل الله أن يجعلنا من هذه الفرقة، فرقة الحق والثبات، التي لا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.


