قرأت اليوم منشورًا للمدعو محمد شمس الدين، يتهجم فيه على علماء الأمة، ويكيل لهم الاتهامات لأنهم خالفوه في فهمه القاصر وغلوه واتخاذه تكفير وتفسيق وتبديع العلماء قضية وأولوية على جميع أمور الدين.
وذهب إلى اتهامهم بأنهم يحاربون السلف، ويعطلون مقالاتهم، ويطعنون في أتباع السلف، وهو يقصد بذلك نفسه وأتباعه من سفهاء الأحلام وحديثي السن، الذين لم يتعمقوا في العلم ولم يفهموا منه إلا سطحيّاته.
ومما يزيد من سخافة هذا الادعاء أن هذا الكلام يلزم منه اتهام العلماء الكبار الذين سبقونا عبر القرون الماضية بأنهم جعلوا خصوم السلف أركان الدين ومجدديه وعلماءه، وبلا شك هو أجبن من أن يصرح بذلك لكنه يلصق هذه التهمة بخصومه من المعاصرين، متناسيًا أن هؤلاء إنما يتبعون أهل العلم الثقات الذين أنفقوا حياتهم في دراسة الدين وفهمه حق الفهم، واتبعوا منهج السلف الحقيقي ونقلوه لنا، لا منهج الغلو الذي يحرف منهج السلف.
إن هذا الهجوم على العلماء يعكس حالة من الانحراف الفكري والرغبة في الانعزال، ومحاولة لاستقطاب ضعاف العقول، وجرهم إلى فكر بعيد عن روح الإسلام ومنهج السلف بل هذا الكلام يسقط علم السلف الذي نقله العلماء جيلا بعد جيل.
نصيحتي لكل من ينخدع بهذه المنشورات هي أن يتروى، وأن يسأل أهل العلم الحقيقيين، فالعلماء هم حصن الأمة وسدها المنيع، ولن تضيرهم افتراءات من يحاولون بناء أمجادهم على الطعن فيهم.
لقد سألت أكثر من عشرة من أتباع الحدادية بشكل مباشر، وفي مناقشات خاصة، أن يذكروا لي اسم عالم واحد يحتكمون إليه في خلافاتهم، فلم يستطع أحدهم الإجابة، ولم يتجرأ أحدهم على ذكر اسم عالم واحد يكون حجة عليهم.
إنها والله لمصيبة كبيرة وكارثة فكرية أن يشعر هؤلاء بالحرج من الاستناد إلى عالم معتبر، وكأن الأمة بأكملها واقعة في ضلال مبين، وهم وحدهم القابضون على الحقيقة!
إن هذا الشعور بالعزلة والانفصال عن علماء الأمة عبر التاريخ، وعدم الجرأة على اعتماد أي مرجعية علمية سوى أهوائهم وفهمهم السقيم لأقوال العلماء، إنما يكشف عن خطورة هذا الفكر الذي يجعل أتباعه يتوهمون أنهم وحدهم على الحق، بينما يطعنون في العلماء ويسيئون إلى جهودهم المباركة في حفظ الدين وتعليمه. فهذا الانعزال الفكري والانقطاع عن التوجيه العلمي الثابت يجعلهم كالذين ينبتون خارج جذور الأمة وأصولها الراسخة.
والله إني لأشفق على كل شاب حدادي ضائع، يؤمن بشيخه الحدادي ويقدمه على سائر علماء المسلمين بل ويرفعه إلى مرتبة أعلى من العلماء الكبار أمثال الذهبي وابن كثير وابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم.
كيف لمسلم عاقل أن يُخالف جماعة المسلمين ويظن أنه على حق، ويعتقد في نفسه وفي شيخه الحدادي أنهما أفضل حالًا من علماء أمضوا حياتهم في طلب العلم والتأليف ونشر الحق.
كيف لرجل يخشى الله ثم يخالف جماهير العلماء الذين عاشوا قرونًا طويلة متفقين على الحق، ويزعم هذا الحدادي أنه أتى بما لم يسبقه إليه أحد!
أنَّى له أن ينام هانئًا وجميع العلماء والدعاة الصادقين من الأمة، أولئك الذين كان يزكيهم ويقتدي بهم، أصبح الآن ضدهم، يسعى لهدمهم وتشويههم ليبقى هو فقط ممثلًا للدين ومجددًا له وهو لا يتقن العربية ولا يحسن قراءة القرآن ورأينا مستواه في المناظرات وكيف أنه يجهل أبجديات العلوم ووقع في أخطاء شنيعة، ولولا ضعف خصومه لفضح أكثر!
أي قلب هذا الذي يسكنه الجفاء، وأي نفس تطيق أن تتبعها مجموعة من “سفهاء الأحلام”، حدثاء الأسنان، الذين يتبعون كل ناعق، ولا يمتلكون علمًا ولا فهمًا ولا أخلاقًا، فيصبحون هم المرجع له، وهو لهم قائد، بينما يجمع العقلاء والفضلاء على ضلال منهجه وفساد مسلكه!
كيف لهذا الحدادي أن يدّعي التجديد في الدين، فإذا سألناه عن مجددي الدين في العصور الماضية، لا يجد جوابًا، وكأن الأمة انقطع عنها الهدى، كأنها جُرّدت من علمائها، فيصير هو مدعيًا أن علم السلف وصل إليه بشكل مباشر، ناسياً أو متجاهلًا أن هذا العلم وصلنا عبر العلماء الذين جاءوا بعدهم، حاملين لواء الدين وصونه.
كيف يحتج مسلم بحديث رسول الله ﷺ: “لا تجتمع أمتي على ضلالة”، وهو يضلل الأمة كلها عبر قرون، يتهمها بالغفلة، وكأن الله قد ترك أمته في ضلال حتى جاء هو!
ثم كيف له أن يُؤمن بحديث رسول الله ﷺ: “يبعث الله على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها”، وهو لا يتبع أحدًا من مجددي الدين، بل يحاول إلغاء أثرهم وكأنهم لم يكونوا أبدًا وعندما سئل عن مجدد هذا الزمان قال الشيخ محمد صالح المنجد فلما علم أن له قولا يخالفه خرج وهاجمه ونفى أن يكون هو مجدد هذا العصر ونسب له التجديد في أمور الدعوة عبر الإنترنت، وإن سلمنا له أنه قصد ذلك فأي دعوة للشيخ غير الإسلام والدين الحق!
ماذا يريد هذا الرجل؟ أيبحث عن علماء يتبعون قوله، أم يسعى وراء شهرةٍ مبنية على تحدي العلماء وتفريق صفهم؟
كان يومًا يُثني على الشيخ السعيدان، يُعظّم علمه ويحيل الناس إليه، فما باله انقلب عليه وصار منصة للهجوم عليه بأبشع التهم، حتى فتح الباب للأشاعرة وغيرهم ليشاركوه إسقاط الشيخ والهجوم عليه!
ثم عثمان الخميس، كان يُثني عليه أيضًا، يعترف بعلمه وفضله، حتى إذا ما قال عثمان قولًا شديدًا يُنكر فيه غلو الحدادية، ثار عليه هذا الرجل وبدأ في اتهامه في دينه، وكأن علم الشيخ عثمان بات لا قيمة له لمجرد كلمة لم توافق هواه!
وأما العدوي، فكان من قبل يرى فيه العالم المخلص، حتى إذا جاء اليوم الذي أغلق فيه الشيخ الخط في وجهه، انقلب عليه فجأة، وسلط أتباعه وصبيانه للنيل منه، في جولة جديدة من محاولات التشويه والإسقاط.
القائمة تطول، فلا يكاد يثبت هذا الحدادي على موقف مع أحد. كم من عالم أشاد به، ثم حين خالفه في أمرٍ بسيط، انقلب عليه، وبدأت حملات الهجوم والتجريح! وكأنما يريد علماء يتبعونه بلا اعتراض، يسيرون خلف هواه لا أن يلزم هو أقوالهم.
كيف تُعقل هذه المفارقة؟ هل صار اتباع العلماء مشروطًا بأن يسيروا على خطى من يشتهي التفريق والتفريق؟
هل انقلبت المفاهيم واختلت الموازين حتى صرنا لا نصدق أن هناك من يدّعي اتباع العلماء، بشرط أن يتبعوه هم في كل ما يريد!
كيف يحتج المرء بحديث رسول الله ﷺ: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله”، بينما هو يخالف جميع الخلف ويتهمهم بالضلال، متناسيًا أو مُتعاميًا عن الحقيقة.
إن حال هذا الحدادي والله لمخيف، والعجيب في الأمر أنه يثق بنفسه ويظن أنه على الحق المبين وكلما قلت سوف يهدأ يخرج علينا بأشياء عجيبة ويكتب منشورات غريبة لا تخدم إلا أعداء الإسلام.
كيف لعاقل أن يثق بعقله إذا كان وحيدًا، منفصلًا عن سائر الأمة ورجالها الأعلام، إلا أن يكون قد أصيب في عقله أو مأجورًا للطعن في الإسلام وإسقاط رموزه!
نصيحتي لأتباع هذا الحدادي:
يا إخوتي في الإسلام، إن النصح في الدين أمانة، ونحن هنا نوجه إليكم نصيحة من القلب. إن الإسلام دين عدلٍ واتزان، لا دين تشددٍ وغلو واتباعٍ للهوى، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، حفظوا هذا الدين ونقلوه إلينا بعلمهم وعدلهم وإخلاصهم.
فاحذروا، إخواني، من الانجرار خلف من يدّعي أنه يحمل لواء السلفية والتجديد في الدين، بينما هو في حقيقة الأمر يمزق الأمة، يُصنف العلماء ويفتري عليهم، ولا يهدأ له بال إلا عندما يُسقطهم واحدًا تلو الآخر، فيظل هو وتياره منفردين بالدين.
واعلموا أن من يهاجم العلماء ويشكك في نواياهم، لا يريد لكم الخير، بل يزرع في قلوبكم الريبة تجاه كل صوت حق، حتى تسيروا خلفه بلا علم ولا بصيرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”. فكونوا حذرين ممن يطعن في عدول الأمة ويزعم أنه يجدد لكم الدين على هواه، واتبعوا العلماء الصادقين الذين ثبت علمهم وتقواهم عبر السنين، ولا تكونوا أداةً في يد من يسعى لإثارة الفتن والشقاق بين المسلمين.
اسألوا الله الهداية وطلب الحق، وتجنبوا الانحراف والتشدد الذي لا يقبله الإسلام. واعلموا أن الأمة أمانة، وأن اجتماعها على الحق هو السبيل القويم، وأن اتباع العلماء الربانيين هو طريق النجاة. قال تعالى: “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”، فلا تستبدلوا أهل العلم بمن يدّعي السلفية وهو في حقيقته يُفرّق ولا يجمع، ويطعن ولا ينصح.
نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى الصراط المستقيم، ويثبتنا على الحق، وأن يرزقنا الصدق والإخلاص في اتباع دينه الحنيف.
مصطفى الشرقاوي