رسالة من أحد الإخوة ويبدو أنه يقصد مشاري راشد بكلامه: السلام عليكم
هناك مسألة محيرة قليلا بالنسبة لي الامر متعلق بفكرة انه هناك شخص مؤثر مثلا و مشهور و ايضا في ظاهره يقدم شئ جيد يفيد الاسلام كا قراءة القرآن و و تستشعر الايات منه و يكون مؤثر كبير فعلا علي تعلق الناس بالقرآن و استشعار معاني اياته و حتي انه ممكن ان يكون واحد من اسباب في حرص الناس مع الوقت علي حفظ القرآن و تعلم أحكامه و لكن للاسف يكون هذا الشخص فاسد في الاصل و لها تصرفات متناقضة جدا جدا مع خشوعه في قراءة القرآن و ايضا يدعم باي شكل الظالمين و اعداء الدين بل يهاجم الذين هم رسالتهم نصرة الاسلام فا انا لا اعرف هل الاستماع لهذا الشخص سيكون طبيعي ام لا خصوصا انه اصبح هناك شعور كبير بالتناقض عند الاستماع له.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياك الله أيها الأخ السائل، وبارك الله في غيرتك على دينك وحرصك على سلامة قلبك من التناقض والفتن.
إن ما تجده في صدرك من حيرة وضيق عند رؤية التناقض بين جمال “الوعاء” (الصوت والقرآن) وقبح “المواقف” (دعم الظلم ومهاجمة أهل الحق) هو علامة على “الفطرة السوية” والقلب الذي لم يمت فيه ميزان الولاء والبراء.
فأبشر، فإن المؤمن الصادق لا يستطيع أن يفصل بين ما يؤمن به وبين من يتمثل هذا الإيمان أمامه.
إليك تفصيل هذه المسألة وفق ميزان أهل السنة والجماعة، الذي يجمع بين الحق والعدل، وبين رعاية المصالح ودرء المفاسد:
أولاً: التمييز بين “النص” و”الناقل”
إن القرآن الكريم هو كلام الله المعجز، وعظمته وتأثيره ذاتي مستمد من كونه وحياً إلهياً، ولا يستمد قداسته من الشخص الذي يتلوه.
فالقرآن يبقى هدى ونوراً وشفاءً حتى لو تلاه أعظم الناس خطيئة. ومع ذلك، فإن “الحامل للقرآن” مُطالب شرعاً بأن يكون أول الممتثلين لأوامره، وأبعد الناس عن نواهيه.
فإذا رأى المسلم تالياً للقرآن يبارك الظلم، أو يمالئ أعداء الدين، أو يهاجم المصلحين الذين يبذلون مهجهم لنصرة هذا الدين، فإن هذا يورث فجوة نفسية عميقة؛ لأن القرآن الذي يقرؤه يحذّر من الركون إلى الظالمين (﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: 113]).
ثانياً: ميزان أهل السنة في تقويم الأشخاص
عندما ننظر إلى الشخصيات المؤثرة (كالقراء أو الدعاة)، فإننا نطبق قواعد العدل والإنصاف:
* وزن الحسنات والسيئات: لا نلغي فضل الرجل في خدمته للقرآن ونشر تلاوته، ولكننا لا نجعل هذا الفضل “صك غفران” يبرر له الانحراف في المواقف العقدية والمنهجية.
* التفريق بين المنهج والزلة: إذا كان الانحراف يتمثل في دعم الطغاة، وتبديل المفاهيم الشرعية لتوافق أهواء السلطة، فهذا ليس مجرد “خطأ اجتهادي” يُغتفر في فروع الفقه، بل هو “خيانة للمنهج” وتضييع لأمانة العلم والقرآن.
* الولاء لله لا للأشخاص: القاعدة الذهبية هي: “اعرف الحق بالدليل، ثم زن الرجال به”، ولا تجعل قول أحد أو صوته حجة لذاته مهما بلغت شهرته.
ثالثاً: خطورة “علماء السلطان”
إن مأساة الأمة قديماً وحديثاً كانت في “المنبتين” عن همومها، الذين اتخذوا من الدين والقرآن وسيلة لتخدير الشعوب وتبرير جرائم المستبدين. هؤلاء الذين وصفهم بعض السلف بـ “قراء الفسقة”، هم أخطر على الأمة من أعدائها الظاهرين؛ لأنهم يهدمون الحصون من الداخل بلسانٍ شرعي وصوتٍ رخيم.
* إن دعم الظالمين وموالاتهم ليس أمراً هيناً، بل هو قدح في الشرعية الدينية والسياسية.
* مهاجمة المصلحين الذين ينكرون المنكر هو قلب للحقائق، ومخالفة صريحة لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
رابعاً: هل تستمع له أم تهجره؟
هنا يتدخل فقه “المصالح والمفاسد”:
* إذا كان الاستماع يفتنك: إذا كنت تجد أن استماعك لهذا الشخص يجعلك “تميل” إلى مواقفه الباطلة، أو يقلل في قلبك بشاعة الظلم الذي يدعمه، أو يجعلك تدافع عن انحرافه بسبب جمال صوته، فهنا يجب عليك هجره فوراً؛ لأن سلامة دينك وعقيدتك مقدمة على “لذة الاستماع”.
* البدائل كثيرة: بحمد الله، الأمة الإسلامية ولّادة، وهناك مئات القراء الذين جمعوا بين حسن الصوت وصدق المواقف والوقوف مع قضايا الأمة. فلا تحصر نفسك في “إناء كدر” بينما النهر الصافي متاح.
* قاعدة “القلوب ضعيفة”: إن كثرة الاستماع لمن لديه انحراف منهجي قد تورث القلب نوعاً من الألفة مع الباطل، وهذا هو “التدجين” الذي يريده الظلمة؛ أن يُربط الناس برموز “روحية” تبارك استعبادهم.
الخلاصة: ما تلمسه من تناقض في شخصية مثل “مشاري راشد” أو غيره من القراء الذين اختاروا الاصطفاف مع معسكرات معينة ضد قضايا الأمة، هو تناقض حقيقي وموجع. نحن نحترم القرآن الذي يحملونه، ونقر بفضلهم في نشره، ولكننا نبرأ إلى الله من مواقفهم التي تخدم أعداء الإسلام أو تفت في عضد المصلحين.
نصيحتي لك: ابحث عن صوتٍ يطمئن إليه قلبك ولا يخدش وعيك. ابحث عمن يقرأ القرآن وهو يدرك معانيه في الواقع، لا عمن يتخذه “مهنة” أو “أداة سياسية”. إن القرآن عهد الله إلينا، ومن خان العهد في مواقفه، فإنه لا يُؤتمن على تشكيل وعي المسلمين بصوته.
واعلم يا أخي أن الحق لا يُعرف بالرجال، فمن تمسك بالحق نجا، ومن تمسك بالرجال ضلّ بضلالهم. فارفع بصرك إلى الوحي، ولا تفتنك أصداء الحناجر إذا كانت القلوب قد مالت عن جادة الحق.
والله المستعان، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

