تواصل أحد الإخوة مع أحد العلماء وسأله عن الحدادية ورأيه فيهم فأجابه متعجبًا: يا أخي، أمة الإسلام أمرت في كتاب الله بالدعاء لمن سبقونا بالإيمان والخير والفضل، كما في قول الله تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
هذا هو أمر الله عز وجل لأمة الإسلام وهم يخالفون ذلك صراحة! من أين جاء هؤلاء بهذا الغل لأهل العلم والفضل؟ نسأل الله العافية والسلامة من هذا المسلك.
أجمعت التفاسير على أن هذه الآية ليست محصورة في جيل الصحابة أو التابعين، بل تمتد لتشمل كل مؤمن سبقه بالخير. يقول الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية: أي: وأما الذين جاءوا بعد الصحابة، فإن الله علمهم أن يدعوا لمن سبقهم بالإيمان.
فإن كانت الأمة أجمعت على عدالة الصحابة ووجوب احترامهم وتوقيرهم والدعاء لهم، كذلك يجب احترام العلماء الذين شهدت لهم الأمة بالخير والعلم والفضل.
العجيب أن معظم العلماء الذين يطعن فيهم الحدادية أجمعت الأمة على علمهم وفضلهم وإمامتهم فهذا والله من الخسران المبين.
شريعة الله تعزز المحبة والإخاء بين المسلمين وتحثّهم على الوحدة وتجنب الفتن الداخلية أو الشقاق الذي يُضعف الأمة ويخدم أعداءها.
مسلك الحدادية يتعارض مع هذه المبادئ القرآنية، فهم يسعون بشكل متكرر إلى نبش القبور والطعن في نوايا العلماء والتشكيك في علمهم ونزاهتهم. يستخدمون أساليب تتضمن التقليل من شأنهم وتجرأة العامة عليهم، متجاهلين توجيهات الإسلام التي تحثّ على احترام المسلمين وذكرهم بالخير والاستغفار لهم وعدم الحقد عليهم.
ولعل من المفيد الإشارة إلى ما ذكره ابن كثير في تفسير هذه الآية، حيث قال: “هذه الآية تحمل دعوة إلى احترام السابقين من المؤمنين، وتجنب ما يزرع الشقاق بين المسلمين، فالشريعة الإسلامية تدعو إلى الوحدة والمحبة”.
إن هذه الدعوة، إذا تجاهلها البعض وسار في طريق التشكيك والطعن في العلماء، فإنه يخالف أمر الله الواضح.
على كل حال لا داعي للقلق فعلى الرغم من وجود مثل هذه الجماعات التي تسعى للنيل من علماء الأمة، إلا أن الغالبية العظمى من المسلمين يدركون ضرورة احترام العلماء وتقدير علمهم. هؤلاء العلماء بذلوا حياتهم في سبيل العلم والدعوة، وأي محاولة لتقويض مكانتهم لا تعود إلا بالضرر على الأمة كلها، وتفتح المجال أمام أعداء الإسلام لتحقيق أهدافهم.
نسأل الله تعالى أن يهدينا ويهدي جميع المسلمين إلى التمسك بما أمرنا به في كتابه الكريم، وأن يبعد عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ينصر الأمة الإسلامية ويوحد صفوفها