في مجتمعاتنا التي تستورد أفكارها من الغرب كما تستورد هواتفها؛ تتكاثر الأفكار العليلة.
ومن ذلك؛ القول الرائج أنه لاينبغي إكراه أبنائك على أمر، بل كل فعلٍ يأتون به بالاقناع فقط، حتى لو كان هذا الأمر من صميم ديننا وقيمنا وآدابنا، فالاكراه مرفوض تماماً عندهم.
وهذا القول لو سبرته بين أهله لوجدته متناقضاً أتم التناقض، فلو حرن الابن عن المدرسة وأبى أن يذهب إليها لأكرهوه وأجبروه، لكنما ينتفض قولهم وينتصب واقفاً متى كان المكروه من أمور الدين أو الأخلاق، فيتحول أسود المدارس إلى سناجب في الدين، وتتماهى العصا التي تسوق الفتية لماديات الحياة لتغدو ريشة رقيقة تدغدغهم لروحانيات الدين، وفي هذا مافيه من الدلالة على مركزية الدنيا وانزياح الآخرة إلى الأطراف الهامشية.
إن التربية في مجموعها هي سبلٌ شتى، مايكون منها مع زيدٍ من الأبناء لا يكون مع عمرو، بل ما يكون مع زيدٍ في شأنٍ لا يكون معه في شأنٍ آخر، بل وفي ذات الشأن فما يكون معه في سنٍ معينةٍ لايكون معه في سني أخرى، وهكذا مما يعلمه كل معايشٍ لهذا الهم التربوي من وجوب التنويع للوصول للثمرة المرجوة، بين الوعد والوعيد، والحرمان والتعزيز، والهجر والقرب، والضرب والضم، تمضي سفينة الحياة لتصل لبر الفضائل والآداب، ومن يقول غير ذلك فهو التنظير لا غير، أو هي حياة التفلت وأسرة تتسع مساحات حريتها فلا تبالي أين يمضي بنوها.
أما الأسرة التي تقوم على الحدب والرعاية، والتوجيه العناية، فيعلم كل فردٍ فيها أنه ليس كل أمرٍ يحتمل حرية الاختيار، بل وبكثيرٍ من شؤونها يكون الإكراه إذا لم يثمر الإقناع، فيتآزر هذا وذاك في المنتهى، ليعلم الابن حين يكبر في العمر أن إجبار أهله له كان خيراً له، وكان عن كثير من الشرور عاصماً له، وكم شهدنا مع والدينا من إكراه وشاهدنا الثمرة اليوم، ولله الحمد والمن.
ولو كان الاجبار يرتد خائبا، أو كان الإقناع وحده كافياً؛ لما كان توجيه نبينا الكريم عليه أتم صلاةٍ وتسليم ” واضربوهم عليها لعشر”.
عبد الله الزهراني