إن من أعجب ما يُبتلى به أهل الحق في زماننا هذا، أن يُواجهوا أقوامًا يمتهنون الكذب والافتراء، ثم يُلبسون باطلهم ثوب الغيرة الزائفة على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة الأعلام. فيختلط الحق بالباطل، ويُتهم الأبرياء بما اقترفه أهل الفجور والضلال، وكما قيل: رمتني بدائها وانسلت.
وهذا – والله – ما يصنعه الحدادي الفتان محمد شمس الدين، إذ يتجرأ على اتهام مخالفيه بالطعن في ساداتنا من الصحابة والعلماء، وهو في أعماق نفسه يعلم يقينًا أنه كاذب وأن خصومه يوقرون الصحابة والعلماء ولا يسعون لإسقاطهم أو الطعن فيهم أو التقليل من شأنهم.
هذا الفاجر يحاول يائسًا أن يهرب من التهمة التي التصقت به، وانكشف أمره بها بين الناس، فيلجأ إلى اتهام الصادقين من حوله بها، وكأنه يظن أنه سينجو بفعلته هذه باتهام غيره زورًا وبهتانًا.
وإن من المعلوم بالضرورة عند أهل العلم والبصيرة، أن ذكر أخطاء العلماء أو حتى فضلاء الصحابة رضوان الله عليهم، إذا ما قُرن بالتوقير والاحترام الواجبين لمقامهم، لا يُعد بحال من الأحوال طعنًا فيهم، بل هو من باب النصح والتذكير، ومن سبيل البيان والتوضيح.
وكتب العلماء مليئة بالردود وتخطئة بعضهم بعضًا، ولكن هل كانت على الطريقة الحدادية الفاجرة؟ كلا والله! بل كانت بالاحترام والتقدير.
وقد قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله: “كلٌ يؤخذ من قوله ويُرد، إلا صاحب هذا القبر” مشيرًا بذلك إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فما يتهم به محمد شمس الدين خصومه الأفاضل إنما هو حيلةٌ خسيسةٌ للفرار من فضائحه التي عمت وطمت، فإنهم إذا أشاروا إلى خطأٍ ما، من باب الإلزام بالحجة أو حتى التصويب والتصحيح مع حفظ المقام الرفيع والتقدير اللازم، فلا يمكن بحال مقارنة فعلهم بأفعال هذا الفتان الفاجر الذي يسعى للتشويه والتحقير والإسقاط والسخرية.
لقد قرَّر ذلك أئمتنا الأعلام وأهل العلم الراسخون – أن العصمة لا تكون إلا للأنبياء وعلى رأسهم خير الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم، وأن من جاء بعده من صحابته الكرام وعلماء الأمة الأعلام، يُؤخذ من أقوالهم ويُرد، مهما سما قدرهم وعظم شأنهم في الأمة بشرط الاحترام والتوقير والتقدير وهذا ما فعله الإخوة والعلماء والدعاة.
ولذلك إذا تأملت في حال هؤلاء الحدادية الغلاة، لوجدتهم يتعاملون مع أقوال بعض العلماء وكأنها وحيٌ مُنزل من السماء، فيرفعونهم إلى منزلة المعصومين، ويجعلون مجرد الإشارة إلى خطأٍ وقع فيه أحدهم – ولو كان ذلك بقصد التقويم أو إلزامهم بالحجة مع التوقير والاحترام – طعنًا عظيمًا وجريمةً لا تُغتفر، فيخالفون بذلك صريح منهج السلف الصالح، ويتخذون الغلوَّ المذموم في الأشخاص مسلكًا ومنهجًا يسيرون عليه، وكل ذلك من أجل المناكفة البغيضة والتجني الظالم على خصومهم للهروب من جريمة الطعن الثابتة عليهم بحق أئمة اتفقت الأمة على علمهم وإمامتهم.
والمدعو محمد شمس الدين، من أشهر من اتخذ أخطاء العلماء الأجلاء مطيةً للطعن والتشنيع والانتقاص، لا للتنبيه والإصلاح، وللسخرية والاستهزاء، لا للنصيحة والإرشاد. فهو لا يكتفي بذكر الخطأ، بل يُرفقه بالتبديع والتضليل والتشنيع والاستهزاء المقذع، ويعرضه في ثياب التحقير والتشويه البالغ، ويُظهر الشماتة الصريحة، بل يبث مقاطع مليئة بالسخرية بأكابر العلماء والدعاة الربانيين، ولا يُنكر على أتباعه الذين كفّروا وانتقصوا أولئك الأئمة الأعلام، بل يُحرّضهم على ذلك ضمنًا أو تصريحًا، فهو يُسوّغ تكفير الأئمة والعلماء ثم يخرج على الناس ويقول بلسانه: أنا لا أكفرهم! فهل يُعقل بعد هذا كله أن يُصدّق عاقلٌ هذا الرجل في دعواه البراءة من الطعن؟ وهل يخفى على ذي عينين حاله، وقد فُضح أمره في مجالسه ومقاطعه الكثيرة المنتشرة؟!
لذلك، حينما يطل علينا من حين لآخر ذلك الشخص، مُطلقًا تُهم الطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة الأجلاء على خصومه، فاعلموا يقينًا أنه لكذّابٌ قد تَمادى في الكذب حتى بات يصدق أكاذيبه، وتبعه في ضلاله أتباعه الجهلة الذين صدّقوه في كذبه وزوره، وانخدع به قومٌ لا يعرفون حقيقته، فاغتروا بظاهر كلامه المُنمّق الباطل الذي لا يمت للحقيقة بِصِلة.
ولكن هيهات! إن استطاعوا تضليل بعض العباد في هذه الدنيا الفانية، فهل يظنون أنهم قادرون على خداع الله العليم ببواطن الأمور وخفايا الصدور؟ ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30].
نسأل الله تبارك وتعالى أن يفضحك يا محمد شمس، وأن يفضح أتباعك وأعوانك من الغلاة، وأن يكشف أمر كل رأسٍ حداديٍّ موتورٍ حاقد، حتى يكونوا عبرةً للمعتبرين، وتطهُر ساحة الدعوة من سمومهم وأباطيلهم.
ونسأل الله العافية والسلامة والهداية والثبات.
مصطفى الشرقاوي