لم يقوّ رعاع الحدادية في النيل من الإمام النووي وفضلاء الأشعرية المشتغلين بالسُّنَّةِ مثل رعاع الأشعرية، ففي الوقت الذي يجمع فيه السلفيون باختلاف تياراتهم على إمامة النووي وتعظيمه وإعلاء شأنه، وذم الحدادية ونبذهم والتحذير منهم؛ يأتي رعاع الأشعرية ليُلزموهم بمقالة الحدادية التي بيّنوا غلطَها وفسادَها؛ فإما أن تصيروا إلى الأشعرية كالنووي أو تبدّعوه وتكفّروه كالحدادية ولا فرق!
وهؤلاء الرعاع عاجزون عن المحاجة لمذهبهم وإثبات أصالته وسلفيته واتصاله بالوحي من خلال أقوال مؤسِّسيه الحقيقيين، وهم متكلمو الأشعرية كالرازي والجويني والغزالي والآمدي والعضد والسنوسي والباجوري وأمثالهم من منظّري الفكر الأشعري، فيلجؤون إلى المتاجرة بالإمام النووي، لما وُضع له من قبول بين الناس، بهذا الأسلوب الرخيص المتهافت! مع علمهم أنَّ النووي لا دور له في تأسيس المقالة الأشعرية ولا أثر ولا وزن، ولا يعتدون برأيه ولا بخلافه في تلك المطالب، إن كان له رأي وخلاف، بل لا ذكر له في كتبهم الكلامية بمرة، وإنما مدار عقائدهم على ما حرَّره وحققه أولئك المذكورون!
وهؤلاء الرعاع متفقون مع رعاع الحدادية في اتخاذ الإمام النووي غَرَضًا مع اختلاف أغراضهم المذهبية، هؤلاء بالمتاجرة به مكايدةً بالسلفية، وأولئك بإسقاطه مكايدةً بالأشعرية! وهؤلاء وأولئك ضالون جاهلون متعالمون متخبطون بعيدون عن منهج أهل الحديث والأشعرية الأوائل وعلومهم وأحوالهم ورجولتهم ومروءتهم!
وهذا الأرعن المتعالم يظن بجهله وغبائه أنه سيُحرِجُ الشيخ عثمان الخميس بمثل هذه الحماقة؛ لأنه لا يميّز بين الأوصاف والأعيان؛ بين كون المقالة موصوفة بالبدعة وبين وصف المتلبّس بها بكونه مبتدعًا، ولا ملازمة بينهما عند الشيخ عثمان الخميس تبعًا لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يفرّق بين النوع والأعيان في أحكام التكفير والتبديع والوعيد، فليس كل مَن وقع في بدعةٍ وقعت البدعةُ عليه حتى تتحقق فيه شروط وتنتفي عنه موانع، فلا يجري على أصول الشيخ عثمان الخميس هذا الهذيان الذي لا يصدر إلا عن سوقي جاهل بمذاهب الناس!
وقد يطلع لنا مبتدعٌ قرنه فيقول: غاية دفاع هؤلاء عن النووي هو نفي أشعريته، فلو ثبتت أشعريته فهو في أحسن أحواله مبتدع عندهم أو ليس إمامًا يُقتدى به، وقد رأيتُ يقول بهذا القول المتعصِّبُ المتلّون حاتم العوني وهو يظن بهذا أنه سيحرج السلفيين؛ لذلك أقول: النووي إما أن يكون متلبسًا بمقالات المتكلمين كنفي العلو وإثبات خلق القرآن على طريقة الأشعرية، أو لا يكون معتقدًا بشيءٍ منها على سبيل الجزم، وهذا الذي ظهر لنا من مقالاته.
فإن كانت الأخيرة فليس هو بأشعري، والحكم في هذا ظاهر.
وإن كان متلبّسًا بتلك البدع؛ فنعتذر له -على افتراض ثبوتها عنه- بما علمنا من تعظيمه للوحي وحرصه على اتباع الحق وسلف الأمة واشتباه الحق في تلك المسائل مع انصراف النووي عن الاشتغال بها وجمع همته على الحديث والفقه واستنباط المعاني، ولا نزيّن مقالات الأشعرية التي وافقوا فيها الجهمية النُّفاة ولا ننفي بدعيتها ولا نهوّن من ضلالها وخطورتها لوقوع النووي وغيره من الفضلاء فيها، بل نعتذر له على أصلنا في الإعذار ونسلم من الغلو ومن التناقض إلا عند ذوي الأغراض المذهبية الرخيصة!
فالحذر من تهوين البدع المغلظة ومخالفة إجماع أهل الحديث لتسويغ مقالات المتكلمين تحت ذريعة اعتناق بعض الفضلاء لها، وهذا أسلوبٌ خبيثٌ ماكرٌ ينتهجه العوني والمتمذهبون بمذاهب الفقهاء من القبوريين ومخرّفي الصوفية!
ومجمل القول: أن رعاع الأشعرية كرعاع الحدادية في التنقص من الإمام النووي وجعله غرضًا لأهدافهم المذهبية الرخيصة!
الشيخ سعد الشيخ