المُسلمُ المُقيمُ في بلاد الكُفّار :أمريكا، أوروبا، كندا ونحوها تَفرِضُ عليه تلك الإقامةُ ضرِيبةً جبريّة و ثمناً بالإكراه سيدفعُه حتمًا إما من :دِينه أو أبنائه أو زوجته أو عِرْضِه أو كرامته أو رجولته أو مروءته، أو راحة باله.. و رُبّما من ذلك كله، ومنهم من يُخطف منه أبناؤه أمام عينه ويُحرم منهم رغما عنه
(لازم تتجمرك)
حتى يبقى مسكيناً يستحق التعاطُف و الشفقة و الدُّعاء و الاعتبار بحاله
بينما يحسبُه الجاهلُ سعيدا مُنَعَّمًا، يعيشُ فردوْسًا يُحسَدُ عليه!
وكُلُّ من كان يحسِبَ نفسَه حكيما ذكيّا قويًّا حريصا صلْبًا سيأخُذُ عسلَها دون أن يُلسَع، و ينالُ خيرها و يفلِتُ من شرِّها=ثبتَ له و لا يزالُ يثبتُ:
أنه كان واهِمًا، ومُستغفَلًا!
ولا يزالُ الكثيرون من المسلمين أقصى ما يرجون وغاية ما يطلبُون هو نفسه ذلك المُرُّ العلْقمُ الذي يتجرعُه ذلك المُقيمُ
فهو كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا
و مهما حَذّزه إخوانُه السابقون الذين تجرعوا العلقمَ و ذاقوا المُرَّ فلن يعتبرَ حتى يتجرّع من نفس الكأس، يحسبُهم حين يُحذّرونه يكرهون له الخيرَ!
********
إن أعظمَ ما يُختارُ لأجله مكان الإقامة:
حيثُ أكونُ وأهلي و أبنائي أقربَ إلى طاعة الله و أبعدَ عن معصيته
ثم تأتي كُلُ مقومات العيش السعيد تابعةً لذلك
و لن يُضيِّع َ اللهُ أُسرةً جعلتْ قِبلَتَها: رِضا ربِّها سبحانه و تعالى
وإنما هي حياةٌ واحدة ثم تُوفّى كُلُّ نفسٍ ما كسبت
********
وكتبتُ هذا التعقيب لحاجة بعض الناس إليه:
في حديثي عن الضريبة التي سيدفعها من يُقيمُ في بلاد الكفار :
المقصود الرئيس هو:
بيان أن تلك البلاد ليست فردوسًا دنيويّا كما يتوهمه كثير من الناس، بل فيها سلبيات عظيمة حتى من حيث ترف العَيْش، و الحقوق و الحريات ، فضلاً عمّا فيها من بلاء و فتنٍ في الدين عظيمةٍ تعصفُ بالوالدين و الأسرة
و تحتاجُ مجاهدة كبيرة و مستمرة لمحاولة النجاة منها.. إن استطاع
فالحديث هنا ليس عن:
حُكم الإقامة في هذه البلاد
وأنا لا أُحرِّمُ ذلك بإطلاق، و أعلمُ أن كثيرا جدا من المُقيمين بها أقربُ هم و أُسَرُهم إلى الاستقامة ممن يعيشون في بلاد المسلمين.
و كثيرٌ منهم يعيش هناك إضطرارًا وليس طواعيةً، و لا عن رِضا
و أعلمُ يقينا أن المسلمين المقيمين بها يتفاوتون تفاوتًا عظيما في:
قدر التمسُّك بدينهم هناك
و الأخذ بالأسباب الممكنة للثبات على الدين لهم و لأُسَرهم
و محاولة عدم الانصهار في عادات المجتمع الكافر التي لا تُرضي الله
و منهم من يبذلُ لذلك بذلا عظيماً يُحمَدُ عليه و يستحقُ به الفضل من الله، و التقدير منّا.
و أعلمُ بالتأكيد:أنّ كثيرا من المسلمين ممن يعيشون في بلاد المسلمين بل( بلاد الحرميْن) يعيشون تفلُّتًا و ضياعا دينيًّا هم و أباؤهم
وأنّ المسلمين الذين يعيشون في بلاد المسلمين يُبتلَوْن في دينِهم و دُنياهم بألوان البلاء و يعيشون ضنكًا و عنتًا و ضٍيقًا…… إلخ
******
كل هذا معلوم لا يحتاج بيانا و لا تنبيهًا ولا التعقيب به
لكنّ المراد فقط هو :
كشف الغمامة التي على عيْن كثير من الناس الذين يظنون إخوانَهم المُقيمين في تلك البلاد يعيشون فِردوسًا يُحسَدون عليه
و يرجون أن يكونوا مثلَهم يعيشون هناك
فأقول لهم:
بل إخوانُكم يخوضون حربًا ضروسًا :
ضد فتنٍ دينية و ابتلاءات دنيوية و مشاكل أُسريّة و صعوبة بالغة في تربية الأبناء،و الحفاظ على الأسرة، و تدبير المعيشة وغير ذلك مما يستحقون به منكم:
التعاطُف و الدعاء و الشفقة و الاعتبار بحالهم
لا الانبهار و الغِبطة و الحسد!
و في رأيي: مَن يخالف في ذلك فهو
إمّا لم يختبر تلك الحياة بنفسه أو بمعرفة أحوال المسلمين هناك
أو لا يعرف واجبات دِينه عليه تجاه نفسه و تجاه أُسرته حقّ المعرفة.
أو لا يفقه معنى السعادة و راحة البال و هناء العيش.
ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفّنا مسلمين
الشيخ حسين عبد الرازق