كنت بالأمس مع مجموعة من الأصدقاء الكرام، ومنهم اثنان أحدهما أخذ الدكتوراه من ألمانيا من معهد ماكس بلانك الشهير، والآخر يعمل في أمريكا منذ 20 سنة في هندسة الطيران، تعرج بنا الكلام عن حال المسلمين في الديار الغربية، وأن الآلة الثقافية الغربية التي توفرها الدولة الحديثة في القوانين والمؤسسات التعليمية والإعلام وغيرها تؤثر بلا شك على الأجيال الجديدة، وقد سمعتُ منهم ما صعقني حقيقة.
أما الذي في ألمانيا فقد أخبرني أن سبب رجوعه إلى بلاده وعدم استقراره في ألمانيا، مع المميزات التي تحصل عليها، يتمثل في أنه تعرف على رجل فلسطيني كان يمكث في ألمانيا منذ 40 سنة، وأنه كان لديه ابنة صغيرة كان يأتي بها إلى المسجد لم تكن تحفظ الفاتحة إلا بصعوبة ومشقة بالغة، وفي يوم من الأيام اتصل به أحد الأصدقاء يخبره بضرورة الذهاب لقسم الشرطة وقد خاف ورفض في بادئ الأمر، لكنه ذهب ليفاجأ أن ذلك الشيخ الفلسطيني الكبير في السن، صاحب الملايين والعقارات محبوس لأنه حاول منع ابنته من مقابلة شاب تعرفت عليه أخيرا، ولما نهرها نهرة خفيفة في ذراعها اتصلت بالشرطة التي جاءت فأخذته وألقت به في الحبس، وقد جاء هذا الصديق الدكتور وتوسط عند الفتاة فرفضت، وبعد مشاورات بين أهل المسجد وأهل الخير أخبره أحد المعارف أن هذا “البوي فريند” يدرس في نفس المعهد ماكس بلانك ، وأنه أستاذه، فلما عرفه ذهب إليه وشرح له الحال، فما كان من الولد إلا أن اتصل بالبنت التي أذعنت لصديقها ذي الأصول البرتغالية المسيحية، ويخرج الشيخ الفلسطيني الكبير من سجنه الذي استمر لأربعة أيام، يقسم لي هذا الدكتور أنه رأى نظرة انكسار وحسرة في عيون ذلك الشيخ الكبير بسبب ما فعلته ابنته التي بلغت 18 من قريب، وارتباطها بعلاقة زنا مع هذا الشاب الأوروبي، بل عرف صديقي هذا ما هو أنكى فابنة الفلسطيني الكبرى انفصلت عنه هي الأخرى وتزوجت رجلا ألمانيا غير مسلم منذ سنوات. قال لي إنه رجع إلى بلاده السودان بسبب هذه القصة المفجعة.
أما الصديق الآخر الذي يعمل في أمريكا منذ 20 سنة فقد أكد على كلام الأول وحكى لنا بعض الحكايا التي تدمي القلوب لعرب مصريين وسودانيين وفلسطيين حدث معهم ما يشبه هذا، وأنه قرر أن يُنزل ابنتيه إلى بلاده وقد بلغتا ال14 من عمرهم.
هذه مأساة يتعرض لها المسلمون في الغرب، أعرف أن أغلبهم هرب من جحيم الشرق، ومآسيه وفقره وحروبه، لكن تعرض دين الأبناء وأخلاقهم إلى هذه المصائب كارثة عظيمة، وهي ظاهرة منتشرة، وستنتشر لأن الآلة الإعلامية والثقافية والقانونية في الغرب أقوى منك، ولا أدري الحل بصدق، هل هي العودة أم البقاء مع تعرض الأبناء لرياح التغريب والتنصير والتدمير الأخلاقي، لا أدري لماذا ذكرتني هذا الحالة بفتاوى علماء المغرب وعلى رأسهم العلامة الونشريسي لأهل الأندلس بعد سقوطها يحضهم على الرجوع والسكنى بين المسلمين في المغرب؛ لأن حفظ الدين مقدم على أي مصلحة أخرى، وصدق حدسه حين نُصر الآلاف منهم قسرا.
محمد شعبان أيوب
باحث ومؤلف في التاريخ والتراث والحضارة الإسلامية