كان الشيخ #محمد_حسين_يعقوب حديث الليلة الماضية في مصر المحبوسة المخروسة، وذلك أن محكمة مصرية استدعته كشاهد نفي في قضية لا علاقة له بها، والواقع أنها أقامت له محكمة تفيش.. فلم يُسأَل عن متهم يعرفه، ولا سُئِل عن واقعة بعينها.
وأدنى من له علم بالاتجاهات الإسلامية يعرف أن اتجاه الشيخ محمد حسين يعقوب “السلفية العلمية” لا علاقة له بالفكر الجهادي ولا بداعش ولا بقاعدة، بل بينهما ما صنع الحداد.. ثم إن يعقوب تحديدا من بين الذين ركزوا على أبواب التزكية والتربية ولم يكن يخوض في أمور الدولة والسياسة.
كان الهدف، من خلال قراءة أسئلة القاضي، أن يعترف يعقوب بأن الفكر السلفي هو أساس فكر القاعدة وداعش، وأن الدعاة السلفيين حين يدعون إلى الله ويذكرون الناس به، فإنما يُفَرِّخون العناصر التي تنتهي إلى مقاومة “الدولة المصرية” أو مجاهدة الأمريكان والروس وغيرهم من المحتلين.
الطريف في هذه الجلسة أنها كانت بين طرفين: القاضي والشيخ.. وكان الوضع الطبيعي المنطقي أن يشتعل بعدها نقد عنيف لهذا القاضي الغبي الجاهل الذي يجهل مبادئ الموضوع الذي يقضي فيه، والذي صدرت عنه طرائف وعجائب وغرائب تدل على أنه مبتدئ في هذا الموضوع كله.. حتى إنه لا يستطيع أن ينطق اسم ابن عثيمين نطقا صحيحا..
ولكن عورة القاضي ظلت مستورة لأن الحملة الإعلامية برعاية الدولة، بينما انطلقت موجة الهجوم على الشيخ لأن هذا ما تريده الدولة وما يريده إعلامها.. وانساق خلف هذه الموجة كثيرٌ من العلمانيين والسيساوية -وهؤلاء مجرمون بطبعهم- ثم تبعهم آخرون لحسابات حزبية “جماعاتية”، بينما أشهد أن إجابات الشيخ يعقوب كانت أفضل بكثير من المتوقع، وسآتي لذلك فيما بعد.
لكني لا أريد أن أُفوت فرصة الحديث عن هذا القاضي الجاهل الغبي الذي يتحكم بأرواح الناس وأعمارهم، فيحكم بالإعدام وبالسجن على من لم يفهم شيئا من دوافعه ولم يعرف شيئا عن موضوعه.
فالقاضي لم يفهم أن كتاب ابن تيمية “مجموع الفتاوى” من سبعة وثلاثين مجلدا، كان يظنه كتابا واحدا، وظن حين سمع رقم 37 أنها مؤلفات ابن تيمية!! ثم إنه من فداحة جهله نقل عبارة قالها المتهم في التحقيقات ونسبها لابن تيمية، فكأنما صار ابن تيمية يكفر الدولة المصرية ورجال الجيش والشرطة ويحرض عليهم.. ولما اندهش الشيخ يعقوب وكرر عليه السؤال والاستفسار “ابن تيمية قال كده؟!” ظل القاضي الغبي مصرًّا على أنه قول ابن تيمية في مجموع الفتاوى.. وأخيرا قال يعقوب “أجزم أن هذا ليس كلام ابن تيمية”!!
القاضي الطريف أيضا يسأل يعقوب: ما حكم هدم المساجد والكنائس والأضرحة؟.. هكذا سؤالا واحدا كأنما حكم هدم المساجد كهدم الكنائس كهدم الأضرحة!! ويريد إجابة واحدة وسريعة وقاطعة!!
وحين قال له الشيخ يعقوب: أنا أكلم العوام بينما غيري يكلم الملتزمين وطلبة العلم، يقول له القاضي: ألم تخاطب مرة الشباب والنساء؟ (كأن الشباب والنساء شيء والعوام شيء آخر؟!!)
القاضي يسأل يعقوب عن شروط العالِم؟ ولا يفهم الفارق بين العالِم والمجتهد.. ولا يفهم كذلك الفارق بين أن يكون عالِما بكتاب الله وأن يكون حافظا لكتاب الله!!
يسأل القاضي أيضا عما هو “الفكر السلفي التكفيري”، ويزعم أن المتهم قال أنه تنقل من التدين العادي إلى الفكر السلفي إلى الفكر السلفي التكفيري.. يا أيها القاضي الأحمق، أخبر ضابط أمن الدولة الذي كتب هذا النص أنه لا يوجد أحد حتى من الجماعات التكفيرية يرى نفسه تكفيريا!!!
يسأل القاضي أيضا: ما حكم قتل رجال الجيش والشرطة؟ فيقول الشيخ يعقوب: قتل المسلم حرام.. فيقول القاضي: لا أسأل عن قتل المسلم، أسأل عن قتل الجيش والشرطة!!
لا أدري، هل يحسب هذا القاضي أن للجيش والشرطة فقه خاص بهم، مثلما لهم بنود خاصة ومميزات خاصة في قانونه الوضعي؟!! أم أنه يشهد عليهم أنهم غير مسلمين؟!!
لا يفهم القاضي معنى “باء بها أحدهما”.. ولما فهم معناها يريد أن يُنْزِل على القائل حُكْم المرتد.. وبهذا فطالما قال إنسان لآخر أنت كافر فلا بد أن يُقتل أحدهما!!!.. ثم إنه لا يعرف وسيلة لتنفيذ القتل غير الإعدام؟!! ودخلته العصبية وهو يقول لكاتب الجلسة: “أنت تعطلني عن نقاش الشيخ، أنا أريد أن أبارزه وأناظره”.. فهل هذا قاضي أم خصم؟!
يكون الإنسان في محنة حين يتسلط عليه جاهل كهذا، لا هو يحسن السؤال ولا هو يحسن الفهم، ثم إن له سلطة نافذة يأمر بها وينهى، ويتحكم بها ويقضي.. ولذلك استعاذ رسول الله من حكم “سفهاء الأحلام”.
نأتي بعد ذلك لإجابات الشيخ يعقوب..
ولكي أريح القارئ المتصيد الذي يحب الصراحة، وأيضا للمخبرين الذين ينسخون الكلام ويكتبون التقارير، أقول: الشيخ يعقوب يمثل اتجاها علميا دعويا، وهذا الاتجاه حسنته الكبرى في أنه يعرف الناس بالدين ويذكرهم بالله ويهديهم إلى طريقه. ولكن سيئته الكبرى أنه يتوقف بهم عند كون الدين عبادة وتزكية وصدقة ودعوة.. وقد يُفضي به هذا التوقف ليكون طعنة في ظهور العاملين واتجاها توظفه أجهزة الأمن ضد من يُفَعِّلون الإسلام في أبواب السياسة والاقتصاد والاجتماع والمقاومة.. وهذا التوقف عند أبواب التزكية والدعوة يعزل أهل هذا الاتجاه عن متابعة الحياة فإذا هم أقل الناس فهما لطبيعة الصراع وتطوراته وطبيعة ما يُراد بالأمة وطبيعة الأفكار التي تغزوها والنوازل التي تنزل بها.
لذلك كثيرا ما تشتعل معركة فلا يساهمون فيها، يحسبون أنها لا تعنيهم ولن تؤثر عليهم نتائجها.. أو تلوح لهم فرصة فلا يستثمرونها ويظنون أنها لا تفتح لهم أبوابا عظيمة.. وكثيرا ما يُخدعون، ومنهم من يطول به الخداع دهورا، لا سيما إذا لبس الحاكم ثوب الدين كما هو الحال في السعودية.
ولقد كان يجب على هؤلاء أن تكون لهم وقفة ضخمة، بل معركة صفرية مع الانقلاب، لكنهم لم يشعروا أبدا أنها معركة حياة أو موت، وأن مصيرها قد يصيبهم.. وتلك الغفلة هي التي تسببت في شلل قطاعات كبيرة من الأمة كانت لتتحرك خلفهم لو تحركوا.
لا يمكن أن يقارن هؤلاء ببرهامي وأتباعه، ولا بالمداخلة، ولا بشيوخ السلطان كخالد الجندي وعلي جمعة وأسامة الأزهري وسعد الهلالي وأحمد الطيب
(وهنا أتوقف لأقول: لا أدري كيف يتسق مع نفسه ذلك الذي يحتفي بأدنى كلمة فيها شبهة حق يقولها أحمد الطيب، ثم هو لا يريد من يعقوب وحسان والحويني إلا موقف سيد الشهداء وسلطان العلماء؟؟!!!)
ومما لا أحبه في الشيخ يعقوب -تحديدا- تشدده في مسائل فروعية كثيرة، وجزمه فيما الخلاف فيه مشهور، وشدته على من يسأله، وتنقيصه من الاتجاهات الأخرى.. ومع ذلك فأنا أتذكر له جيدا موقفه الداعم للإسلاميين في مراحل الثورة (ليس كعمرو خالد أو معز مسعود أو غيرهم ممن وقف في كل مرحلة مع العلمانيين)، ونزوله إلى ميدان مصطفى محمود يوم فض رابعة، ودعمه لاعتصام رابعة طول فترته.. وهو رجل لا يُتَّهم في دينه والله حسيبه.
ثم أقول:
لو كانت إجابات الشيخ يعقوب أدنى وأقل وأسوأ مما قاله لكان معذورا.. فهذا الذي يؤتى به إلى محكمة في اليوم التالي لأحكام الإعدام على قيادات الإخوان كيف يكون حاله؟!
نعم، ينبغي أن يكون موقف الشيوخ موقف العزيمة لا الرخصة.. والواقع أن إجابات الشيخ يعقوب في هذه الشهادة كانت أقرب إلى العزيمة منها إلى الرخصة.. لقد كان يستطيع أن يكذب ويفجر وهو يتحدث عن الإخوان والقاعدة وداعش وحسن البنا وسيد قطب.. ولكنه لم يفعل! بل اختار السكوت!
ولو أنه قال ما يعتقده هو فيهم، وهو كلامه القديم من قبل الثورة، لأرضى هذا القاضي واستبرأ لنفسه، فهو لم يقل شيئا لا يعتقده.. ولكنه لم يفعل.. وهذه، في هذا الموطن، عزيمة.
إن حسن البنا وسيد قطب عندي من عظماء الإسلام الكبار.. وبغير أي انتقاص من الشيخ يعقوب أو من سواه، فإن أثر البنا وقطب لا يساويه ولا يدانيه مائة شيخ كيعقوب وحسان.
ومع ذلك فإني أتفهم جدا نقد الحالة السلفية لسيد قطب، هذه مدرسة علمية تكونت بشكل خاص لها معاييرها وأصولها، وبناء على هذه المعايير والأصول فسيد قطب وحسن البنا -في أحسن الأحوال- مخلصون قد اجتهدوا ولهم أخطاء.
وحين سئل الشيخ يعقوب عن البنا وقطب كان كلامه منضبطا وفق معاييره ونظرته، فهو حين يقول إن قطب لم يدرس على يد شيخ (على نحو ما هو في المدرسة السلفية) فهو لا يقصد الطعن فيه، بل سياق كلام يعقوب أنه يعذره، يعذر أنه أديب استخدم عبارات أدبية في معان شرعية.
وحتى حين قال يعقوب عن البنا إنه كان يريد الوصول إلى الحكم، لم يكن يقولها انتقاصا ولا طعنا.. بل كان سياقه واضحا جدا.. كان يقول: أراد أن يصل إلى الحكم ليعيد الخلافة، لأنه أسس جماعته بعد سقوط الخلافة.. إن هذه منقبة لحسن البنا، ولم يكن كلام يعقوب طعنا في البنا.
يجب أن نفرق دائما، وفي كل معركة، أين تقع سهامنا.. وهل يستعملنا العدو ليقضي علينا جميعا؟!.. إن الإسلاميين الذين انطلقوا طعنا في الشيخ يعقوب وقعوا في نفس ما وقع فيه المغفلون الجهلاء في 30 يونيو.. أولئك الذين استخفهم العسكر وركبهم ليكونوا غطاء شعبيا لغدره وانقلابه ومذابحه.
الآن، تريد الدولة في مصر رأس المشايخ، بل رأس الدين.. لا تريد رأس يعقوب وحسان والحويني.. ليس السيسي وليس قاضيه الغبي الجاهل ممن يبحث عن صحيح الإسلام.. بل أولئك يريدون النسخة العلمانية من الإسلام، النسخة التي يقدمها لهم خالد الجندي وسعد الهلالي وعلي جمعة!
لما سئل يعقوب عن حكم الانضمام للجماعات أجاب بعبارة جميلة لابن تيمية، ولأن القاضي لم يفهمها فقد مررها.. وهذه من مواطن أن يكون الغباء نعمة! ولا بد للناس من تنفيس!
أختم هذا الكلام الطويل بنقطتين ستقفزان إليّ في التعليقات حتما.. وهي:
1. يعقوب قال “غزوة الصناديق” وشوّه الإسلاميين، وقال “اللي مش عاجبه يهاجر كندا”، وكان من عوامل شق الصف!!
والجواب: أول من شق الصف وحرص على شقه وتوسيعه وتمزيقه هم العلمانيون، ووسائل إعلامهم انطلقت ضد الإسلاميين في اليوم التالي لتنحية مبارك كالكلاب المسعورة، واخترعت وقائع هدم الأضرحة وقطع أذن القبطي و… و… و… إلخ!
وكلمة “غزوة الصناديق” كلمة عادية جدا.. فكل الناس تتحدث عن الاستفتاء والانتخابات بعبارة “المعركة الانتخابية”.. فالمعركة عند الناس هي الغزوة عند الإسلاميين.. ولكنكم قومٌ بُهت.
وأصلا هو كان يجيب على ساويرس لما سُئل: ماذا ستفعل لو حكم الإخوان؟ فقال: سأهاجر إلى كندا.
2. يعقوب تزوج 22 مرة
والجواب: ولو تزوج خمسين أو مائة مرة.. فليس هذا عيبا، طالما أنه زواج شرعي.. ولو أخرجنا ملفات العلمانيين من أي جهاز أمني فسنجد لأقل واحد منهم 22 حالة علاقات خارج الزواج.. هذه التي تسمونها علاقات رضائية وحرية شخصية!!!
محمد إلهامي