ج: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رجل مجدد ومصلح من طراز فريد، وصاحب هم وله في المصلحين قدم صدق، سيرته وكتابة معاصريه والمنصفين في شتى بقاع العالم تخبرك: أن الرجل سار سيرة الإصلاح بصدق وإقدام، وامتد أثره الطيب في سائر بقاع العالم الإسلامي، وكان سببا رئيسا في تخليص شبه الجزيرة خصوصا مما لحقها من شوائب الاعتقاد، وكان خنجرا حادا في خاصرة الخرافات والخزعبلات ودعاة البدع والضلالات.
نعم مثله مثل غيره يؤخذ من قوله ويترك ونختلف معه في أشياء شأن كل أهل العلم في كل عصر لا يخلو أحد عن ذلك أبدا….
وليس ثمة مصلح إلا وقد وقع في أخطاء عملية حال التطبيق؛ ذاك أن الكمال لله وحده والعصمة لنبيه صلى الله عليه وسلم….
وهذه طائفة من شهادات أناس ذوي مشارب مختلفة في حق الرجل، وهي نماذج فقط، وما تركت أكثر بكثير مما ذكرت:-
يقول الأمير شكيب أرسلان في الجزء الرابع من كتاب حاضر العالم الإسلامي تحت عنوان ( تاريخ نجد الحديث ) ـ ذكر ولادة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
( طلب محمد بن عبد الوهاب العلم في دمشق ورحل إلى بغداد والبصرة ، وتشرب مبادئ الحافظ حجة الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وابن عروة الحنبلي ، وغيرهم من فحول أئمة الحنابلة ، وأخذ يفكر في إعادة الإسلام لنقاوته الأولى ،فلذلك،الوهابية يسمون مذهبهم عقيدة السلف ومن هناك أنكر الاعتقاد بالأولياء وزيارة القبور والاستغاثة بغير الله ، وغير ذلك مما جعله من باب الشرك واستشهد على صحة آرائه بالآيات القرآنية والأحاديث المصطفوية ، ولا أظنه أورد ثمة شيئاً غير ما أورده ابن تيمية ) . انتهى.
قال الشيخ أبو يعلى الزواوي – رحمه الله – في مقال بعنوان ( الوهابيون سنيون ، وليسوا بمعتزلة كما يقولون هنا عندنا بالجزائر )
قال الشيخ أبو يعلى الزواوي: ( فأهل العلم عموما وأهل الإسلام قاطبة يعلمون أن الوهابيين حنبليين من أهل السنة والجماعة ، ومن المذاهب الأربعة المجمع عليها ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد مذهب الإمام أحمد ، مع ترجيح مذهب السلف ، وكتابه في العقيدة التوحيدية (2) يباع بمكتبة ردوسي بمدينة الجزائر ، ولا يستطيع سني أن يرد فيه كلمة واحدة ولا نصف كلمة ، وأن الوهابيين بإجماع الأمة مسلمون سنيون ، من أهل القبلة )
وقال صديق حسن خان في كتابه هداية السائل إلى أدلة المسائل :
كان محمد بن عبدالوهاب عالماً متبعاً للسنة , ويغلب عليه حب اتباع السنة المطهرة , ورسائله معروفة , إلا أنها لا توجد في بلاد الهند .. ثم قال : وخلاصة القول أن مذهب الشيخ محمد بن عبدالوهاب هو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم ..
وقد قام العلامة الأديب الشيخ محمد بن يوسف السورتي بنقل ( كتاب التوحيد ) للشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الأردية ونشره في دلهي عام 1350 هجري .. وهذه هي الترجمة الثانية لكتاب التوحيد في الهند , وكتب له مقدمة نافعة , وتشمل على ذكر أحوال الشيخ محمد بن عبدالوهاب , ودعوته , وعلى ذكر المشاكل التي واجهته في سبيل الدعوة , ثم تأييد الله سبحانه وتعالى على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله – له ولدعوته ..
كما عنى المؤلف في مقدمته برد الإفتراءات التي ألصقها الأعداء بالدعوة وصاحبها وأتباعها ….
وقال الدكتور طه حسين : ” لا يستطيع الباحث عن الحياة في جزيرة العرب أن يهمل حركة عنيفة نشأت بها أثناء القرن الثامن عشر الميلادي ، تلفتت إليها العالم الحديث في الشرق والغرب ، وأخطرته أنه يهتم بأمرها ، وأحدثت فيها آثاراً خطيرة هان شأنها بعض الشئ ، ولكنه عاد فاشتد في هذه الأيام ، وأخذ يؤثر لا في الجزيرة وحدها ، بل في علاقتها بالأمم الأوربية ؛ هذه الحركة هي الحركة الوهابية ” .
وقال عنه الأستاذ أحمد أمين : ” أهم مسألة صقلت ذهن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دروسه ورحلاته مسألة التوحيد ، التي هي عماد الإسلام ، والتي تبلورت في لا إله إلا الله ، والتي تميز الإسلام بها عما عداه ، والتي دعا إليها ” محمد صلى الله عليه وسلم ” أصدق دعوة وأجرأها ، فلا أصنام ولا أوثان ن ولا عبادة آباء وأجداد ولا أحبار ولا نحو ذلك ، ومن أجل هذا سمّى هو وأتباعه أنفسهم ” بالموحِّدين ” أما اسم الوهابية فهو اسم أطلقه عليه خصومه ” .
وقال الأستاذ عباس العقاد:(ولم تذهب صيحة محمد ابن عبد الوهاب عبثًا في الجزيرة العربية ولا في أرجاء العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه فقد تبعه كثير من الحجاج وزوار الحجاز وسرت تعاليمه إلى الهند والعراق والسودان وغيرها من الأقطار النائية، وأعجب المسلمين أن سمعوا أن علة الهزائم التي تعاقبت عليهم إنما هي في ترك الدين لا في الدين نفسه، وإنهم خلقاء أن يستجدوا ما فاتهم من القوة والمنعة باجتناب البدع والعودة إلى دين السلف الصالح في جوهره ولبابه)
وقد أثنى على دعوة الشيخ رحمه الله عالمُ صنعاءَ الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله في قصيدة له قال فيها:
قِفي واسألي عن عالمٍ حلَّ سوحَها
به يَهتدي مَن ضلَّ عن منهجِ الرُّشْدِ
محمدٍ الهادي لسنةِ أحمدٍ
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المَهْدِي
وقد جاءَتِ الأخبارُ عنه بأنهُ
يُعيدُ لنا الشرعَ الشريفَ بما يُبدِي
وينشرُ جهرًا ما طوى كلُّ جاهلٍ
ومبتدعٍ منه فوافقَ ما عندي
ويعمرُ أركانَ الشريعةِ هادمًا
مشاهدَ ضلَّ الناسُ فيها عن الرُّشْدِ
فقد سرَّني ما جاءني من طريقِه
وكنتُ أرى هذي الطريقةَ لي
———————
وعلى كل حال فالرجل مصلح كبير أثنى عليه المنصفون من كل اتجاه، ويظل غصة في حلوق قوم لا يروق لهم أن يروا مخالفا لهم عالي القدر كبير الشأن….
رحم الله الإمام الكبير ورضي عنه…
وإن رغمت أنوف من أناس
فقل يارب لا ترغم سواها…
د. محمد سرور النجار