كل مسلم يرجو أن يكثر المصلون عليه بعد موته ، وأن يحضر جنازته أهله وأحبابه والصالحون من عباد الله ، عسى أن يشفعوا فيه ، وينتفع بدعائهم وصلاتهم ، لا سيما وقد ورد في السنة النبوية عدة أحاديث عن فضل من يصلي عليه مائة من المسلمين ، وفي رواية : أربعون لا يشركون بالله شيئا .
لكن قد يحال بين المرء وبين هذه الفضيلة لأمر لا يد له فيه ، وها نحن نرى من مآسي الموت بكورونا – نسأل الله العافية للمسلمين أجمعين – أن من يموت به لا يكاد يصلي عليه إلا القليل ، وقد يرفض بعض الجهلة الأنذال دفنه بمسقط رأسه .
ولا ينبغي للمسلم أن يبتئس أو يحزن أو يصيبه الهلع من ذلك كله ، فدعاء المسلمين واستغفارهم مما ينتفع به الميت بالاتفاق سواء حضروا جنازته أم لا ، وقبل ذلك فإن الملائكة وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين كما قال تعالى ” الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ”
ولنا في نفر من الصحابة العظام الأجلاء ، والصالحين الأفذاذ عبر التاريخ أسوة وسلوى ، حيث مات بعضهم ولم يصل عليه إلا أقل القليل ، بل دفن بعضهم على عجل ، وفي جنح الظلام ، خوفا من ظلم ظالم ، أو تسلط فاجر .
وأضرب لذلك مثلا بذي النورين ، أمير المؤمنين ، عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ثالث الخلفاء الراشدين ، الذي استشهد وهو خير الأمة وأفضلها يؤمئذ ، ومع ذلك ، فلم يصل عليه إلا أفراد قلائل ، ودفن على عجل ما بين المغرب والعشاء خيفة من الأوباش الفجرة الذين حاصروه وقتلوه ، وهم بعضهم بإلقائه عن سريره ، والمنع من دفنه ، كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية .
وكذلك الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، وأبوه هو الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة ، وأمه أسماء بنت أبي بكر ، وجده الصديق الأكبر ، وقد صلب ابن الزبير رضي الله عنه ، وبقي على ذلك أياما ، ثم إن أمه أسماء – وحدها – هي التي غسلته بعد ما تقطعت أوصاله، وحنطته، وكفنته، وصلت عليه، مع أنها وقتها كانت كبيرة السن جدا رضوان الله عليها .
ووالله ما ضر هؤلاء وغيرهم من الصالحين عبر التاريخ قلة من صلى عليهم ، أو تأخر دفنهم ، وبقيت سيرتهم العطرة ، ودعوات المسلمين لهم تتوالى في كل زمان ومكان ، والأمر لله من قبل ومن بعد ، ولا حول ولا قوة إلا به .
وخلاصة الأمر : أن يكون همك الأكبر هو على أي حال تلقى الله ، وإذا ما مت على التوحيد ، والطاعة ، وحسن الخاتمة ، فلا يضيرك قلة من يصلي عليك ، وفي أي مكان دفنت ، فإن الأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يقدس المرء عمله .
أحمد قوشتي