الحمد لله وحده.
تخيّل أنك ولدت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في بيئة قبلية صحراوية يهتم بنوها بتحصيل ما يبقيهم أحياء! وينعم مترفوها بجباية الثمرات والتمتع بالنساء في صور تحط من قدرهن، ويكثر في نواديها الخمر والميسر وقبيح الأخلاق، وتشب فيهم نيران الحرب على أتفه الأسباب، ويشبع أفرادها احتياجهم الروحي بتعظيم الصالحين في صورة أصنام واتخاذها وسائط في الأرض تقرب إلى رب السماء.
وكنت أنت أحد اثنين فيها، إما من السادة أو العبيد فالأول مفتون بفتنة الرخاء والسلطة و الرياسة والثاني طُوِّعت نفسه على حياة الخدم و الانسياق للكبراء فيرهبه سوط سيده و ربما لا يقوى وعيه على تصوّر خطأه فضلاً عن مخالفته.
ثمّ في وسط تتابع الأيام و المدلهمات جاءك رجل -بأبي هو وأمي-يدعوك إلى كسر إلف نفسك و عادة قومك بنبذ التقرّب بصالحي أموات الأرض إلى رب السماء-الشرك-، و إلى تهذيب شهواتك التي تتوّهم أنها متنفساً لك، وتسفيه أحلامك المتعلقة بسيادتك على الناس فتخلع ذلك للسيّد الحق، ودعوته دعوة فرد واحد يكذّبه فيها في أول يوم لها عمه و يضطهده فيها قومه.
لما تتصور الاختبار دا كويس هتعرف قد ايه انت معافى دلوقتي مقارنةً بفتنة الناس وقتها و هتعرف برضه فضل الصحابة رضوان الله عليهم اللي بذلوا أنفسهم وأموالهم لتعلو كلمة الحق وصبروا على الجوع و التنكيل و الحصار و مفارقة الزوجات و الآباء والأبناء! ثم فضل من يلونهم من التابعين وتابعي التابعين اللي جاهدوا في سبيل الله وسالت منهم الدماء أنهار عشان يوصل لحضرتك الدين الحق ..دا تراثك اللي بيُلمَز تصريحاً أو تعريضاً وربما تواريت منه جهلاً أو خوفاً!
عشان كدا انت لازم يكون ليك عمل لدين الله وشغل للمال والوقت له كقضية وحيدة يتفرع منها بقية شؤون حياتك، ولازم تخجل من الوهم اللي معيش نفسك فيه انك عاوز تعيش كفافاً في دينك لا في دنياك! أنك توهم نفسك أنك تنجو بنفسك ولا عليك بغيرك! لازم تخلص من الفزّاعات اللي بتحطك في خانة المستعلي على الناس و المُزكي لنفسه عشان بتدعو لله! لازم يهون عليك في الله نفسك و تعرف أن الفتن اللي احنا فيها دي ليست ببدعاً من الفتن و لك في قصص القرآن عبرة وسلوى، لازم تُعمِل معاول الهدم في جوانب التيه التي في نفسك، وفي ضلالات المستحدثات التي في الناس على حدٍ سواء! أما اخواننا اللي ليهم سابق عهد بالسير في هذا الطريق وتخطّفتهم شبهات الأحداث من 2010 لحد دلوقتي وتفرقوا إلى منتكس أو زاهد في العمل أو متوّهم لنضج زائف في شكل (( ما بعد أصولية، أو ما بعد حركية، أو صار عندهم الجمع بين الناس هو الهدف على اختلاف عقائدهم)) فلا أزيد عن قول النبي صلى الله عليه سلم
“قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ”
ولكنك تستعجل أخي، دينك دينك، لحمك دمك!
أنس أحمد