الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد ورد سؤال عن الامتناع عن الحج والعمرة طالما الحرمين تحت حكم آل سعود لأن المكاسب تذهب لترامب والجواب عن ذلك نقول:
لقد سمعت حثا على هذا الأمر من بعض الإخوة ولكن في ذلك نظر واسع من الناحية الشرعية ومن الناحية العقلية.
فأما الناحية الشرعية فالحج والعمرة يدوران بين الواجب والمستحب بخلاف شراء البضائع ونحوها فهي من المباحات في الغالب والفرق كبير فلا يترك ما أمر به الشارع أو حث عليه لأنه هناك جهة محاربة قد تستفيد مما يترتب على ذلك.
والحج والعمرة والحال أن الحرمين تحت هذا الحكم السلولي مشروع فقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والحرم تحت حكم الكفار الأصليين سواء في عمرة الحديبية التي صدوا عنها وقريش إذ ذاك حرب أو في عمرة الحديبية بعد الصلح وهذا نص في المسألة حيث استفاد لا شك كفار قريش مما أنفق في عمرة القضاء وربما أعانهم بعد ذلك في نقضهم الصلح وحربهم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
ومسألة المال المختلط سواء في الكسب أو النفقة مسألة لا يسلم منها أحد في تعاملاته فلاشك أن ما تشتريه يذهب جزء منه لأعداء الإسلام وأن ما تكتسبه جزء منه أصله محرم والعبرة بعملك المباشر فأنت إذا اشتريت طعاما من بقالة تبيع دخانا أو مجلات لايعتبر ذلك منك دعما لهذا الجانب وإذا بعت قماشا لامرأة فعملت منه لباسا تفتن به فلا يعتبر ذلك منك إعانة لها على الحرام .
فالحاج أو المعتمر لايعتمر لكي يعين الحكومة على دعم ترامب وإنما يدفع مالا يمكنه من أداء نسكه ونيته سداد ما ينفق عليه في النسك وأجرة لمن يمكنه من ذلك أما طريقة نفقة المتكسب لذلك المال فلامسئولية عليه في ذلك إطلاقا
وأما الناحية العقلية فالمقاطعة التي ندعو إليها لا تكون فيما يعود علينا بضرر في دنيانا فضلا عن ديننا وإلا فلم لا نقاطع السيارات والكمبيوترات والجوالات على النطاق الفردي ناهيك عن مقاطعة الأسلحة والمعدات والتقنيات جملة على النطاق الأوسع ؟ فكثير من ذلك تذهب أمواله حقيقة لأمريكا ومباشرة بخلاف أموال الحج والعمرة .
كما أن أموال الحج والعمرة على وجه التحديد ليس شرطا أن تكون هي التي يحصلها ترامب من هذه الحكومة بل أموال الحج والعمرة ينفق جلها على الحجيج وخدمة الحرمين الشاملة لأعمال جبارة تتطلب مبالغ طائلة وإنما ما يحلبه ترامب جله من عائد البترول على وجه الخصوص .
لابد من وجود هدف من المقاطعة فإن كان الهدف عدم وصول تلك الأموال لترامب مثلا فهذا غير متحقق والأموال ستصله حججنا أم لم نحج … وإن كان تقليل تلك الأموال فهذا أيضا غير متحقق لأن الخلائق التي تنتظر الفرصة للحج والعمرة سوف تسد مكان المقاطع لأن تلك الدعوى لن تقنع عموم المسلمين الذين يتحرقون شوقا للحرمين بخلاف القلة القليلة التي ربما تجد وجاهة في تلك الفتوى وتطبقها .
ولذا ننصح الإخوة بترك الاندفاع الحماسي في أمور لاتعود بالنفع على الإسلام والمسلمين وإنما تضرهم هم أنفسهم سائلين المولى سبحانه أن يرزقنا الحج والعمرة تحت حكم الخلافة الإسلامية وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ الدكتور محمد بن رزق بن طرهوني
17 ذو الحجة 1440 هـ – 18 أغسطس 2019 مـ