أبو عبد الله الشيباني
بداية هذه المقولة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الذي أريد مناقشته هنا طريقة الاستدلال بهذه المقولة
الذين يتعلمون اللغات الأعجمية من الانكليزية و غيرها و يبالغون في استخدامها بغير حاجة ليزداد الشعور بمتابعة الكمال الإنساني الغربي المزعوم
حتى يصل الأمر لدرجة المياعة و الانحلال في القول بل في الطبع أيضاً
يقولون لماذا تستنكر فعلنا أين أنت من الحديث من تعلم لغة قوم أمن مكرهم
فيقال لهم , فضلاً عن أن هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم , أين المكر الذي أمنتموه من القوم هؤلاء ! في الحقيقة أنتم تعلمتم لغة قوم فشابهتموهم و قلدتموهم فلماذا الكذب و عدم اظهار المبعث الأساسي للفعل ألا وهو تقليد الغربي بالأقوال و الأفعال
ثم ثانياً المقولة بنفسها تدل أن المراد من التعلم أمن المكر من العدو و ليس المراد من التعلم تعليم الطفل اللغة الأعجمية أكثر من اللغة العربية بحيث يربى الطفل على الألفاظ العجمية و يتشربها
و ليس المراد أيضاً أن تتخاطب مع شخص يجيد العربية باللغة الأعجمية و تجعل التكلم بلغة الأعاجم ديدناً لك
وكثيراً ما نرى هذه المواقف في الطرقات و المطاعم والمدارس بحيث يضع الشاب بين كل كلمتين بالعربية كلمة أجنبية و إن كان في بلد يندر فيه وجود القوم أصلاً و بيئته كلها تتكلم بالعربية
و كذلك في المدارس و الجامعات أصبح الدكتور لا يراه الناس دكتوراً إلا إذا تكلم لغة الأعاجم و شرح بلغة الأعاجم , و أخشى أن يأتي يوم و يشرح فيه أستاذ اللغة العربية بالانكليزية !
ثم لبيان أن الناس أصبح في نفوسهم نفرة من العربية و ميول وتقبل للغة الأعاجم أنك حينما تجد شخصاً يتكلم بالفصحى مع ابنه مثلاً ينظر الناس له نظرة استغراب و تعجب و بعضهم يقول في نفسه ما هذا التخلف و السذاجة لماذا يفعل مثل هذا
بيد أن الكلام بلغة الأعاجم تكاد شبه مقبولة و الله المستعان
لشيخ الإسلام كلام جليل في هذه المسألة حيث قال :
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 526)
وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية – التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن – حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم.
ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر، ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل (2) المغرب، ولغة أهلها بربرية (3) عوّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما.
ثم (4) إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة (5) عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه، وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور (6) فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة، ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب. اهــ
فوصيتي لنفسي و إخواني أن يتعلموا ويعلموا أهل بيتهم العربية الفصحى و يتعودوا على الكلام بها و إن تعلموا لغة العجم فليكن لله سبحانه بأن يريدوا بذلك دعوة الأعاجم أو مثل ذلك
بحيث يستخدم الإنسان اللغة الأعجمية حين الحاجة لها فعلاً و وسيلة للعمل الصالح و نيل رضا الله تبارك وتعالى
و ليتذكروا كم من أخ من الأعاجم يذرف دموعاً لأنه لا يجيد اللغة العربية وهو مستعد أن يبذل الغالي والرخيص ليقرأ سورة من كتاب الله و يتدبرها كما يفعل الذي يجيد اللغة , فالحمد لله على هذه النعمة
و الله المستعان