إن أشد اللحظات التي يتهدد فيها صرح الإيمان هي لحظة صدمات المصائب، خاصة المصائب العامة التي يحتاج فيها المُعزِّي أن يُعزَّى.
يقولون: من شاف مصيبة غيره هانت عليه مصيبته..
ربما نعم.. تهون، لكن ما الحيلة إن كانت مصيبة غيره هي أيضًا مصيبته، وأنه عندما كان يتجلد أمام غيره ليثبتهم ويصبرهم على مصائبهم فإنه كان يكتوي ويتحرق وحده ليلًا إذا انفرد عن الناس يفكر في تلك المصائب، فإذا ذاك الثابت الذي يثبت الناس بثباته أو قل (بإظهار ثباته) تنازعه البشرية الضعيفة فتغلبه، تغلبه وحده وهو وحيد لا أحد معه، هو لن يقاوم في هذه اللحظات تلك النزعة البشرية، لعلها أن تتركه في الصباح التالي الذي سيتقمص فيه دور الثابت المثبِّت مرة أخرى لكيلا يضيع من وراءه.
قال أحدهم:
وتجلدي للشامتين أُريهمُ** أني لريب الدهر لا أتضعضع
لكنه لم يكن يهتم للشامتين، بل بالمساكين المشموت بهم.
إن من آيات الله عز وجل ورحمته واصطفائه أن يحفظ للناس إيمانهم في زمان ألحد فيه مَن ألحد، وأن يُبقى لهم عقولهم في وقت ذهلت فيه عقول كثيرين أو جُنّت أو كادت.
أحمد الغريب