هذه وصية الأخت سيرين زروق -رحمها الله- كما نشرت على حسابها قبل موتها بيوم واحد
عطلت إدارة الفيسبوك حسابها بعد حصول منشوراتها على تفاعل مئات الآلاف من المسلمين وغير المسلمين حول العالم ويبدو أن كلامها قد أثار المجموعات النسوية التي كانت تنتمي إليها سابقا وتعرض الحساب للبلاغات حتى أغلق وبعد وفاتها لا يوجد أحد غيرها يستطيع طلب إعادة الحساب.
#وَصِيَّتِي
مَرْحَبًا، فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الْأَخِيرَةِ وَالْمَوْتُ يَحُطُّ رِحَالَهُ عِنْدِي.
فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الْأَخِيرَةِ أَرَدْتُ أَنْ أُشَارِكَكُمْ وَصِيَّتِي عَلَّهَا تَجِدُ طَرِيقًا إِلَى قَلْبٍ غَافِلٍ فَيَصْحُو.
أَنَا تِلْكَ الْفَتَاةُ الشَّقْرَاءُ الْمُدَلَّلَةُ، تِلْكَ الْمَحْبُوبَةُ مِنَ الْجَمِيعِ، أَنَا الَّتِي كَانَ الْجَمِيعُ يَتَسَابَقُونَ لِإِرْضَائِهَا، تِلْكَ الْفَتَاةُ الْجَمِيلَةُ صَاحِبَةُ الشَّخْصِيَّةِ الْحَدِيدِيَّةِ، شَوَارِعُ مَدِينَتِي تَعْرِفُنِي، مَحَلَّاتُهَا وَمَقَاهِيهَا تَعْرِفُنِي، مَطَاعِمُهَا وَمَقَاعِدُهَا تَذْكُرُنِي، أَنَا الْفَتَاةُ الَّتِي خَطَفَتْهَا الدُّنْيَا بِبَهْرَجِهَا.
أَنَا الَّتِي اِعْتَقَدَتْ أَنَّ الْحَيَاةَ أَمَامَهَا مَفْتُوحَةٌ، وَأَبْوَابُ الْمَوْتِ مَقْفُولَةٌ، لَمْ أُدْرِكْ أَنَّهَا تَنْسَحِبُ مِنِّي تَدْرِيجِيًّا، وَكَكُلِّ النَّاسِ لَمْ أُفَكِّرْ أَبَدًا أَنَّ الْمَوْتَ عَلَى بُعْدِ خُطْوَتَيْنِ مِنِّي، فَفِي اللَّحْظَةِ الَّتِي كُنْتُ أَرَاهُ بَعِيدًا عَنِّي كَانَ السَّرَطَانُ يَتَرَعْرَعُ بِدَاخِلِي بِصَمْتٍ، كَانَ يَتَغَذَّى بِغِذَائِي، وَيَشْرَبُ مَشْرَبِي، كَانَ مَعِي يَنَامُ، وَمَعِي كَانَ يَصْحُو.
وَالْآنَ أَشْعُرُ بِهِ يَطُوفُ حَوْلِي يُجَهِّزُ لِرِحْلَةِ الرَّحِيلِ الْأَخِيرَةِ، رِحْلَةٍ طَالَ اِنْتِظَارُهَا.
الْمَوْتُ؟
الْفَنَاءُ وَالْعَدَمُ… قَدْ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِمَّا تَعْتَقِدُ، يَتَرَبَّصُ بِكَ، وَأَنْتَ مُنْشَغِلٌ بِالْمَلَذَّاتِ
عِنْدَمَا تَضَعُ رَأْسَكَ عَلَى الْوِسَادَةِ، تَذكَّرْ أَنَّ الْمَوْتَ هُوَ بِبَسَاطَةٍ مُجَرَّدُ نَفَسٍ قَدْ يَنْقَطِعُ أَوْ دَقَّاتُ قَلْبٍ تَأَخَّرَتْ ثَانِيَةً صَغِيرَةً.
عِنْدَمَا تُغْمِضُ عَيْنَيْكَ، تَذَكَّرْ أَنَّك قَدْ لَا تَفْتَحُهَا إِلَّا فِي الْقَبْرِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الرَّحِيلِ هُوَ الْأَمَرُّ، هَذَا الرَّحِيلُ قَدْ يَقْبِضُكَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَاحْرِصْ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا تُؤَجِّلْهَا.
عِنْدَمَا تَشُقُّ طَرِيقَكَ فِي الصَّبَاحِ، تَذَكَّرْ أَنَّ مَوْتَكَ مُرْتَبِطٌ بِفَرَامِلِ سَيَّارَةٍ قَادِمَةٍ، قَدْ تَكُونُ مَعْدُومَةً، تَذَكَّرْ أَنَّهُ قَرِيبٌ… قَرِيبٌ جِدًّا فَسَارِعْ إِلَى التَّوْبَةِ.
الْحَيَاةُ؟
الْحَيَاةُ تَمَامًا كَالْمَوْتِ لَا تَدْرِي مَتَى تَأْتِي، وَلَا مَتَى تَرُوحُ.
اِمْتِحَانٌ دِرَاسِيٌّ لَا تَعْلَمُ مُدَّتَهُ، إِنِ اِجْتَهَدَتْ نَجَحْتَ وَإِلَّا رَسَبْتَ
رَمْشَةُ عَيْنٍ… لَحْظَةٌ عَابِرَةٌ… سَعَادَةٌ مُنْتَهِيَةٌ… حُزْنٌ دَائِمٌ عَلَى مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا وَسَعَادَةٌ عَارِمَةٌ عَلَى مَنْ بَاعَهَا.
تَذَكَّرْ أَنَّ الْمَقَابِرَ مَلِيئَةٌ بِأُنَاسٍ اِعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَوْتَ بِعِيدٌ.
مَلِيئَةٌ بِأُنَاسٍ قَالُوا غَدًا نَتُوبُ… وَلَمْ يَتُوبُوا.
أُنَاسٌ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ تَحْتَ التُّرَابِ أَنْتَ مُجَرَّدُ أُمْنِيَةٍ لَهُمْ، كُلُّ مَا يَدْعُونَ بِهِ أَنْ يَكُونُوا مَكَانَكَ لِلَحْظَةٍ حَتَّى يَتُوبُوا وَيَعْمَلُوا صَالِحًا، وَأَنْتَ؟ أَنْتَ فِي الْأُمْنِيَةِ، فَهَلْ سَتَسْتَغِلُّهَا؟
أَمْ سَتَنْتَظِرُ إِلَى حِينِ اِلْتِحَاقِكَ بِهِمْ، ثُمَّ هُنَاكَ تَتَمَنَّاهَا؟
أَنَا فَتَاةٌ ذَهَبَ جَمَالُهَا، وَمَالُهَا، ذَهَبَ لِسَانُهَا السَّلِيطُ، مَلَابِسُهَا وَاِكْسِسْوَارَاتُهَا، كُلُّ الرَّفَاهِيَةِ الَّتِي أَحَاطَتْهَا ذَهَبَتْ فَهَلْ سَتَدُومُ لَكَ؟ لَا …
هَلْ تَسَاءَلْتَ مَاذَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ؟ أُرِيدُ أَلَّا تَسِيرَ عَلَى خُطَايَ وَتَسْتَيْقِظَ.
أُرِيدَ أَلَّا تَبِيعَ نَفْسَكَ لِلدُّنْيَا وَزِينَتِهَا.
اِسْتَيْقَظَ وَأَنْقِذْ نَفْسَكَ مِنْكَ.
إِلَى مَنْ أَضَاعَ الطَّرِيقَ، وَضَاعَ مِنْ نَفْسِهِ، إِلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ
تُبْ يَا أَخِي، تُبْ وَابْحَثْ عَنِ اللَّهِ بِصِدْقٍ تَجِدْهُ
تُبْ يَا أَخِي، وَلَا تُكَابِرْ تُبْ، وَلَا تَبِعْ عَقْلَكَ لِمَنْ يُرِيدُ هَلَاكَكَ.
إِلَى كُلِّ مَنْ دَعَا لِتَنْحِيَةِ الدِّينِ جَانِبًا، تُبْ يَا أَخِي، فَالدِّينُ جَوْهَرُ الْحَيَاةِ وَقِوَامُهَا، تُبْ يَا أَخِي، فَالْحَرْبُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَائِمَةٌ، فَلَا تَكُنْ مِعْوَلًا يَهْدِمُ بِهِ أَعْدَاءُ الدِّينِ دِينَكَ.
تُبْ يَا أَخِي، فَالْحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ فِي التَّعَرِّي، وَنَشْرِ الرَّذِيلَةِ، وَانْتَبِهْ يَوْمًا أَنْ تُدَافِعَ عَنْ بَاطِلٍ فَتُحْشَرَ مَعَهُ.
إِلَى أَخِي الَّذِي أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعَاصِي، تُبْ يَا أَخِي، وَلَا تَقْنَطْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، تُبْ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.
وَحِّدِ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، أَقِمِ الصَّلَاةَ وَدَاوِمْ عَلَيْهَا، وَلَا تُؤَجِّلْهَا عَنْ مَوْعِدِهَا، وَاحْرِصْ عَلَى الْخُشُوعِ فَهُوَ رُوحُهَا.
أَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَبِيبِ.
لَازِمِ الِاسْتِغْفَارَ وَرَطِّبْ لِسَانَكَ بِذِكْرِ اللَّهِ الْحَكِيمِ.
أَحْسِنْ لِأَخِيكَ، تَحَلَّ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَأَمْسِكَ عَنْكَ لِسَانَكَ اللَّئِيمَ.
جَاهِدْ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِكَ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ؛ فَإِنَّهُمْ مُغْتَالُونَ فِيهِ وَلَقِّحْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
لَا تَتَمَنَّى الْجَنَّةَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ عَنْهَا مُتَكَاسِلٌ عَمَّا يُقَرِّبُ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
مُسَارِعٌ إِلَى مَا يُبْعِدُكَ عَنْهَا، وَيُقَرِّبُكَ إِلَى نِيرَانِ الْجَحِيمِ.
إِلَى أَخَوَاتِي الْفَتَيَاتِ،
اِتَّقِينَ اللَّهَ فِي لُبْسِكُنَّ وَاحْتَشِمْنَ؛ فَإِنَّ الْحِشْمَةَ رِدَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالْفُجُورَ رِدَاءُ أَهْلِ النَّارِ.
تَحَجَّبْنَ بِالْحِجَابِ الصَّحِيحِ؛ فَإِنَّكُنَّ جَوَاهِرُ، وَالْجَوَاهِرُ لَا تَرَاهَا الْأَعْيُنُ.
اِتَّقِينَ اللَّهَ فِي أَزْوَاجِكُنَّ وَاحْفَظْنَ وَاصْبِرْنَ عَلَيْهِمْ.
إِلَى إِخْوَانِي الْمُسْلِمِينَ أُوصِيكُمْ بِالْحُزْنِ عَلَى أُمَّتِكُمْ، وَمَا ضَيَّعْتُمُوهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ.
أُوصِيكُمْ بِالنُّوَاحِ عَلَى أَبْصَارٍ لَمْ تَعُدْ تَرَى الْفِتَنَ الَّتِي تُحِيطُ بِهَا كَقِطَعِ اللَّيْلِ السَّوْدَاءِ.
إِلَى أَهْلِي وَأَحْبَابِي أَصْحَابِي وَرِفَاقِي، أَشْهَدُ اللَّهَ أَنِّي قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْ كُلِّ مَنْ أَسَاءَ لِي، فَتَجَاوَزُوا عَنِّي وَاغْفِرُوا لِي زَلَّاتِي.
أُشْهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَبْرَحُكُمْ غَيْرَ حَاقِدَةٍ وَلَا حَاقِنَةٍ عَلَى أَحَدٍ، فَسَامِحُوا أُخْتَكُمْ، وَاحْفَظُوا ذِكْرَاهَا فِي قُلُوبِكُمْ.
لَا تَحْزَنُوا فَإِنِّي رَاحِلَةٌ إِلَى مَحْبُوبٍ أَدْمَانِي الشَّوْقُ إِلَيْهِ.
بَعْدَ فَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ سَيَسْقُطُ قَلَمِي، وَيَصْمُتُ لِسَانِي، سَيَشْحُبُ وَجْهِي، وَتَزْرَقُّ شَفَتِي، سَتَذْبُلُ عَيْنِي وَتُغْمِضُ إِلَى الْأَبَدِ.
سَأَرْقُدُ بَيْنَ الْجُثَثِ الْمُتَنَاثِرَةِ هُنَا وَهُنَاكَ بَيْن مُنَعَّمٍ وَمُعَذَّبٍ، سَتُحِيطُ بِي أَعْمَالِي، أَرْجُو اللَّهَ أَنْ تَشْفَعَ لِي كَلِمَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قُلْتُهَا خَالِصَةً فِي جَوْفِ لَيْلٍ مَضَى.
أَسْمَاؤُكُمْ وَصُوَرُكُمْ ذِكْرَيَاتِي مَعَكُمْ كَلِمَاتُكُمْ وَأَصْوَاتُكُمْ سَتَتَحَلَّلُ مَعَ دِمَاغِي وَتَذُوبُ فِي التُّرَابِ، وَلَنْ يَجْمَعَنَا سِوَى ذِكْرِ اللَّهِ وَمَحَبَّةٍ جَمَعَتْنَا فِيهِ.
رِحْلَةٌ طَوِيلَةٌ أَنْتَظِرُهَا بِشَوْقٍ حَارِقٍ، رِحْلَةٌ لَا زَادَ لِي فِيهَا سِوَى حُسْنِ ظَنِّي بِاللَّهِ، وَرَجَاءٍ فِي عَفْوِهِ.
رُفِعَ الْغِشَاءُ وَحَلَّ رِفَاقُ رِحْلَتِي بُشْرَاكَ بُشْرَاكَ بُشْرَايَ بُشْرَايَ بِرَبٍّ رَحِيمٍ.
سَيَصْمُتُ صَوْتِي إِلَى الْأَبَدِ، لَكِنَّ قَلْبِي مَعَكُمْ وَرُوحِي عِنْدَ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ.
وَإِنْ رَحَلْتُ فَإِنِّي لَمْ أُهْزَمْ، وَإِنَّمَا النَّصْرُ نَصْرُ الْآخِرَةِ، وَمَا الْعَيْشُ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ.
خِتَامًا أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ
لَا تَحْقِرَنَّ طَاعَةً أَمَامَ جَزَاءِ اللَّهِ، وَلَا ذَنْبًا أَمَامَ عَذَابِ اللَّهِ.
فِي أَمَانِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
سيرين زروق