بعدما سقطت بغداد بأربعة أشهر اتجهت جيوش التتار نحو الجنوب التركي والشمال الشامي، حيث وجد هولاكو أن جذوة مقاومة توشك على الاشتعال.. هنالك من سولت له نفسه لرفض تسليم بلاده أسوة بالخليفة العباسي الذي فتح أبواب بلاده للتتار فكانت خاتمته تحت أقدام الخيول.. وكان نهاية دولته بلا رجعة!
لا قِبل لأحد بجيوش التتار.. هكذا قيل للملك الكامل محمد الأيوبي الذي كان يحكم أجزاءً واسعة من جنوبي شرق تركيا.. إلا أن الكامل الأيوبي أبَى إلا المقاومة والجهاد فجمع جيشه وتحصّن بمدينة ميافارقين الحصينة.. فأرسل هولاكو جيشا كبيرا بقيادة ابنه أشموط فحاصروا المدينة سنة ونصف تقريبا حتى انهارت في النهاية بعد مقاومة عنيفة لا تكاد تجد لها مثيل أمام جحافل التتار المجرمين!
فما كان مِن هولاكو إلا أن أمر بقتل كل أهلها وحرَّق ديارها ودمّرها تدميرا.. ثم قام بتعذيب الكامل محمد الأيوبي تعذيبا أليما حتى فاضت روحه إلى بارئها تقبله الله!
أراد هولاكو بهذا التنكيل البشع بأهل ميافارقين وأميرها أن يرسل رسالة للعالم الإسلامي آنذاك ألا جدوى من المقاومة.. سنقتلكم تقتيلا في نهاية المطاف.. فقط تستطيعون باستسلامكم أن تقللوا خسائركم.. فبدلا من قتلكم سنكتفي بتشريدكم واغتصاب نسائكم ونهب أموالكم.. ولكن قد نترك بعضكم أحياء.. لا جدوى من المقاومة واحرصوا أن تكونوا من أولئك “الأحياء”!
وبالفعل فهم بعضهم الرسالة كما شاء هولاكو.. فسلموا له البلاد والعباد، وعاشوا في ذل الاستسلام ومهانة الاستعباد!
إلا أن هناك من فهم الرسالة بطريقة مختلفة.. هناك من رأى في الكامل رحمه الله بطلا صنديدا.. وشجاعا عنيدا.. وقدوة في الصبر والنضال والجهاد.. فرفضوا الاستسلام وباعوا أنفسهم لله فأعدوا العدة والعتاد.. وجمعوا الجيوش ونادوا حي على الجهاد.. فكان النصر من عند الله في عين جالوت بعد ذلك نتيجة حتمية.. وسُنة كونية.. ولو بعد حين!
هيثم خليل