كان الخليفة المعتصم – ثامن خلفاء بني العباس – شاهدا بنفسه على تعذيب الإمام أحمد بن حنبل حتى يجيبهم في مسألة خلق القرآن.. وقد ثبت الإمام أحمد مِن قبل على قوله بأن القرآن كلام الله غير مخلوق في وجه الخليفة المأمون!
وكان الإمام أحمد قد أوتي به من سجنه ليناظره العلماء في حضرة الخليفة المعتصم لأيام فهزمهم جميعا وأعيتهم الحجج.. فغضب المعتصم وأمر بشد وثاقه بين عقابين – عمودين كبيرين من الخشب – ففعل الحرس ذلك فخُلعت يدا الإمام أحمد رحمه الله!
ثم بدأ الحراس في ضربه بأن يتقدم أحدهم ويضرب سوطين ثم يتأخر ويضرب الآخر سوطين وهكذا سبعة عشر سوطا حتى أشفق عليه المعتصم واقترب منه وقال: يا أحمد علام تقتل نفسك؟ والله إني عليك لشفيق، أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟
ثم بدأ الملأ في التحريض على قتل الإمام أحمد، فقال بعضهم: كافر، وقال بعضهم: دمه في يدي!
فقال الخليفة: ويحك يا أحمد ما تقول؟
فقال أحمد – بثبات عجيب -: أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أقول به!
فأمر المعتصم بضربه مرة أخرى ثم عاد له وقال: ويلك يا أحمد أجبني إلى شيء فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي!
فقال الإمام: يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أقول به!
وكان القاضي ابن أبي دؤاد – أحد أكابر الفتنة – قد أغرى صدر المعتصم وقال له إن تركته سيقال إنه غلب خليفتين – يعني المأمون والمعتصم – وإن أخليته فتنت به الناس!
فاستمروا في تعذيب أحمد حتى أغشي عليه ورموا عليه حصيرا ثم داسوه حتى كادوا أن يقتلوه.. ثم تركوه وأفرج عنه فيما بعد.. وصلى يومها والدماء تسيل من ثوبه فلما سألوه عن ذلك قال: قد صلى عُمر وجرحه يثعب دما!
رضي الله عن الإمام أحمد، ثبت على الحق، ولم يجب المبتدعة إلى كلمة واحدة مما طلبوا منه، ولم يكتم العلم، ورفض كل المحاولات التي بذلها معه قرناؤه العلماء في إقناعه بقبول التقية، ورأى أن التقية لا تجوز إلا للمستضعفين، الذين هم ليسوا بموضع القدوة للناس، أما أولوا العزم من الأئمة الهداة فإنهم يأخذون بالعزيمة، ويحتملون الأذى ويثبتون!
فكان ثباته ثباتًا للدين والسُنة!
هيثم خليل