روى أبو الحسن محمد ابن الفيض الغساني قال: حدثنا إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن جدي قال: لما ولاَّني عمر بن عبد العزيز الموصل، قدمتها، فوجدتها من أكثر البلاد سرقا ونقبا، فكتبت إلى عمر أعلمه حال البلاد، وأسأله أن آخذ الناس بالظنة وأضربهم على التهمة، أم آخذهم بالبينة وما جرت عليه السنة؟ فكتب إلىَّ أن آخذ الناس بالبينة، وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله.
قال يحيى: ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد، وأقلها سرقا ونقبا.
وكان – رحمه الله تعالى – يرجح التحقيق العادل المبني على السنة على التحقيق الصارم الذي ابتدعه الولاة عند تغير الناس. فقد كتب إليه عامله عدي بن أرطأة يستأذنه في تعذيب من اقتطعوا من مال الله، فقال: “من عدي بن أرطأة أما بعد: أصلح الله أمير المؤمنين، فإن قبلي أناسا من العمال قد اقتطعوا من مال الله عز وجل مالا عظيما، لست أرجو استخراجه من أيديهم إلا أن أمسهم بشيء من العذاب، فإن رأى أمير المؤمنين- أصلحه الله – أن يأذن لي في ذلك أفعل”.
قال: فأجابه (عمر بن عبدالعزيز):
“أما بعد: فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب بشر كأني لك جنة من عذاب الله، وكان رضائي عنك ينجيك من سخط الله عز وجل.
فانظر من قامت عليه بينة عدول، فخذه بما قامت عليه به البينة، ومن أقر لك بشيء فخذه بما أقر به.
وأيم الله لأن يلقوا الله عز وجل بخياناتهم أحب إلي من أن ألقى الله بدمائهم والسلام”.
——————
من كتاب
الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة