في يوم الثلاثاء الماضي، عند تمام الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا، شهدت مدينة أوريبرو السويدية فاجعة أليمة، حيث اقتحم الإرهابي المدعو ريكارد أندرسون، البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا، مركزًا تعليميًا لتعليم اللغة السويدية للبالغين، مرتكبًا مجزرة مروعة أودت بحياة أحد عشر شخصًا، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة الخطورة.
نسأل الله تعالى أن يتقبل المسلمين من الضحايا في عداد الشهداء، وأن يمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل، ويلهم ذويهم الصبر والسلوان.
وبحسب رواية الشرطة، فإن المهاجم انتحر بعد ساعة من ارتكاب جريمته، ولم يتم الكشف عن هويته في البداية، مع التحذير من تداول الشائعات.
في تلك الأثناء، بدأت بعض الحسابات المعادية للمهاجرين بنشر ادعاءات كاذبة تفيد بأن الجاني مسلم، ولكن كما اعتدنا، فإن عدم الإفصاح عن هوية المهاجم يشير غالبًا إلى أنه ليس مسلمًا، وإلا لكانت الشرطة ووسائل الإعلام سارعت إلى الإعلان عن هويته، ولعاش المسلمون ليلة حالكة السواد.
وبعد ساعات، خرج رئيس الوزراء السويدي ليصف هذه الحادثة بأنها أسوأ عملية إطلاق نار جماعي في تاريخ السويد، داعيًا الجميع إلى تجنب التكهنات بشأن دوافع المجرم.
وفي مساء الثلاثاء، أعلنت الشرطة أن القاتل تصرف بمفرده، وأنه لا توجد دوافع أيديولوجية وراء الحادثة، في محاولة لطمس الحقيقة.
وفي اليوم التالي، بدأت وسائل الإعلام السويدية بنشر تفاصيل جديدة عن الجاني، مشيرة إلى أنه كان يحمل تراخيص لأربع بنادق، وأنه كان يعاني من اضطرابات نفسية، ومصابًا بالتوحد، ورسب في دراسته، ويعيش في عزلة منذ سنوات.
هذه الرواية تثير الشكوك، إذ إن الحصول على ترخيص لحيازة السلاح يتطلب فحصًا طبيًا دقيقًا. وإذا افترضنا أنه اجتاز هذا الفحص، فإن القانون السويدي يلزم الأطباء بإبلاغ الشرطة عن أي شخص يعاني من مرض عقلي، مما يستوجب سحب ترخيص السلاح منه.
في كلتا الحالتين، لا يمكن لشخص يعاني من اضطرابات نفسية أن يحصل على كل هذه التراخيص لحمل السلاح، ولا يمكن لشخص مختل عقليًا أن يخطط لعملية كهذه، ويفلت من قبضة الأمن، ويقتل ويجرح العشرات، ويستهدف المهاجرين تحديدًا، إلا إذا كانت لديه دوافع عنصرية حاقدة.
لو كان يعاني من أزمة نفسية تدفعه للقتل، لكان نزل إلى الشارع وبدأ بإطلاق النار عشوائيًا على الناس. ولكن بعض الروايات تشير إلى أن الرجل كان يتجنب إطلاق النار على الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، ويختار ضحاياه بعناية.
ومع ذلك، تصر الشرطة السويدية على القول بأن هذا العمل لا توجد خلفه دوافع أيديولوجية.
الفضيحة الكبرى أن القناة الرابعة السويدية حصلت على تسجيل لرجل كان مختبئًا في المرحاض أثناء الهجوم، وفيه يُسمع القاتل العنصري وهو يقول: “سوف تغادرون أوروبا!”، وهذه العبارة تكشف بوضوح عن دوافعه العنصرية.
عند قراءة الأخبار السويدية منذ وقوع الحادثة حتى اليوم، لا نجد أي معلومات عن الضحايا، ولم يتم تسليم الجثث إلى العائلات حتى الآن، بينما تتضمن بعض التقارير تعاطفًا مع المجرم، وتسلط الضوء على معاناته في الحياة، وتصفه بأنه شخص طيب وذو أخلاق رفيعة، دون معرفة ما الذي دفعه لارتكاب جريمته.
فقط تخيلوا لو كان القاتل مسلمًا، هل كانت وسائل الإعلام ستتحلى بهذا الانضباط الشديد؟ هل كانت الشرطة ستستبعد الدوافع الإرهابية؟ هل كان رئيس الوزراء سيطلب من الشعب الابتعاد عن التكهنات؟ بالطبع لا، فقد شهدنا في حوادث سابقة أنه بمجرد اكتشاف هوية الجاني وارتباطه بالإسلام، يتم الإعلان فورًا عن العملية كإرهابية، وتنتشر الكراهية ضد المسلمين.
هذه الحادثة وغيرها من الأعمال الوحشية لم تكشف فقط عن الحقد والكراهية المنتشرة في هذه المجتمعات، بل فضحت أيضًا نفاق الإعلام والسلطات والشرطة، وازدواجية المعايير في التعامل مع هذه الوقائع الفظيعة.