في واقعنا العربي اليوم، تسير سياسات بعض الدول نحو تقوية الدولة على حساب المجتمع، من خلال سلسلة من التشريعات والقوانين التي في ظاهرها الحرص على الاستقرار، لكنها في حقيقتها تهدف إلى ضمان بقاء الديكتاتور على الكرسي بأي ثمن.
هذه السياسات تحمل في طياتها بذور الخراب والفساد الذي لن يطال المجتمع فقط، بل سيؤدي إلى انهيار الدولة ذاتها وساعتها لا مجال للإصلاح.
الانغماس في مظاهر الفساد من حفلات ورقص وإلهاء، والتشجيع على الحرام، وتعقيد الزواج، وتقليل الخصوبة، ليس إلا وصفة مدمرة وضعها الشيطان بذاته وينفذها أعوانه من ملاحدة ونسويات بالتعاون مع أنظمة ترفض صوت الأغلبية وتحتمي بالأصوات النشاز المدعومة غربيًا.
الواقع الحالي يُظهر أن الفساد صار سياسة ممنهجة، حيث يتم تغييب الشباب عن قضاياهم المصيرية وملء أوقاتهم باللهو والعبث.
على سبيل المثال: السياسات التي تعيق الزواج وتقنن الإجهاض وتُفرِض قوانين تعجيزية، تؤدي حتمًا إلى انخفاض معدلات المواليد.
وهذا سيؤدي إلى شيخوخة المجتمع وارتفاع نسبة كبار السن، مما يشكل ضغطًا كبيرًا على النظام الصحي الهش ويؤدي إلى تعطل عجلة الإنتاج كما نرى اليوم في اليابان وكوريا الجنوبية وبعض الدول الغربية.
أيضًا الصعوبات التي تواجه الزواج والقوانين المجحفة حول النفقة والطلاق، تجعل الشباب والفتيات يعزفون عن الزواج، ما يؤدي إلى انتشار الزنا وما يترتب عليه من أمراض وأطفال بلا نسب، وضياع كامل للأجيال المقبلة.
قال رسول الله ﷺ: “ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم” (رواه ابن ماجه).
كذلك التركيز على الترفيه بمعناه السطحي الجديد، من حفلات صاخبة ورقص وهلس وأفلام ومسلسلات وتبعية للغرب في طرق العيش والتفكير، يؤدي إلى تغييب وعي الشباب وفقدان الشعور بالمسؤولية.
هذا الترفيه لا يطمس الهوية الإسلامية فقط بل حتى الهوية الوطنية المزعومة، ويجعل المجتمعات لقمة سائغة أمام الغزو الفكري والثقافي.
إن السياسات الحالية، التي تهدف إلى السيطرة المطلقة على المجتمع، هي تمهيد لسقوط مريع للدولة والمجتمع معًا، وستكون العواقب أكبر مما يتخيله واضعو هذه السياسات.
الغرب نفسه يعاني اليوم من انخفاض معدلات المواليد، وتعطل المصانع، والمشاكل الاقتصادية الناجمة عن شيخوخة السكان.
إن ما يحدث في اليابان وكوريا الجنوبية من تهديد بانقراض الدولة ليس عنا ببعيد إذا استمر الحال على ما هو عليه.
نسأل الله أن يحفظ بلادنا من هذا السيناريو المخيف، وأن يردنا إلى طريق الصلاح. قال رسول الله ﷺ: “الدين النصيحة” (رواه مسلم)، ومن واجبنا أن نحذر من العواقب وأن نتعظ بغيرنا.
ونسأل الله أن يصلح أحوالنا، ويزيل الطغاة الذين يفسدون في الأرض، وأن يعيد للمجتمع توازنه وقوته.
اللهم احفظ أمتنا من كل سوء.
“والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون” (يوسف: 21).
مصطفى الشرقاوي