من أعظم الكوارث التي ابتليت بها الأمة في هذا الزمان، ما قامت به الفرقة الحدادية من ابتداع عقائد جديدة وصفات لله عز وجل لم يقل بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام.
إنهم يدعون حرمة الابتداع في باب العبادات – وهذا حق نوافقهم عليه – لكنهم يسارعون بلا تورع إلى الابتداع في أعظم ما يمكن، في باب العقيدة، حيث يُضفُون على الله سبحانه صفات لم تكن تُعرف في عهد الرسالة!
إن البدعة في العبادات لا شك أنها ضلالة، وقد جاء الدليل القاطع في قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). لكن البدعة في العقيدة؟ كيف لعاقل أن يقبلها، وهي أعظم وأشد؟ هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته على نقص حتى نأتي نحن اليوم لنزيد عليهم؟ أم هل غاب عنهم من صفات الله عز وجل ما كشفه محمد شمس الدين وأضرابه في القرن الرابع عشر؟
هذا شمس الدين يثبت لله خصرًا! نعم، هكذا بكل جرأة يصرح ويجاهر، وإن سألناه: “من قال بذلك قبلك؟” تراه يتلعثم ولا جواب لديه!
ويثبت لله الروح، وهي من عقائد النصارى، فإن سألناه: “هل قال بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من صحابته؟” تأتي الإجابة: لا.
يثبت لله أنه ساكن في السماء، فإذا طلبنا دليلاً من كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع الصحابة، صمتوا كمن أخذتهم الحيرة.
وما زاد الطين بلة، أنهم يحاربون المسلمين على أثرٍ ضعيف يُنسب لمجاهد يقول إن الله يجلس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش يوم القيامة!
أين هذا من كتاب الله؟ أين هو من السنة الصحيحة؟ عندما تسألهم عن الدليل، يجيبونك أن بعض السلف قالوا به، ولكن عندما ننقب ونفحص، نجد أن الأمر لا يمت إلى الصحابة بصلة. وهؤلاء هم السلف، أما من جاء بعدهم فإنما هم أتباع لهم، وليس العكس! فكيف يُبنى اعتقادٌ على أقوال لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، إنما رُوي عن التابعي مجاهد بن جبر، وهو أثر لا يصح من الأساس. ومع ذلك، يصرون على تبني قول التابعي وكأنه ركنٌ من أركان العقيدة!
وفي أقصى ما يمكن أن يُقال في دفاعهم، إنما كان بعض العلماء يردون به على الجهمية، فهل أصبح رد فعل العلماء أثناء الجدل تجاه فرقة من الفرق مصدرًا للعقيدة عند أهل السنة؟! أين الدليل من كتاب الله؟ أين قول النبي صلى الله عليه وسلم؟ أين إجماع الصحابة؟!
إنه لأمر محير كيف يتبنى هؤلاء عقائد لا تستند إلى أصول الدين، ثم يجعلونها معيارًا للولاء والبراء، متجاوزين بذلك القرآن والسنة وإجماع الصحابة، وهو أمر لا يقبله عقل ولا دين.”
لقد أثبت محمد شمس الدين في فترة مضت أن الله يستلقي ويضع رجلا على رجل، ثم لما انتقده الناس على ذلك صار يضعف الأثر هكذا بكل بساطة بالأمس كانت عقيدة واليوم ليست عقيدة، مع العلم شيخه عادل آل حمدان ما زال يصحح الحديث ويؤمن به!
عبد الرحمن دمشقية يصرح بكل وقاحة أن النار حوت رجل الله! فهل بعد هذا القول من جرأة؟
إننا نعيش في زمن أصبح فيه الناس يتبعون الأقوال من غير دليل، يثبتون لله صفات تنافي عظمته وجلاله ثم يتهمون من يعترض عليهم بمخالفة السنة!
هذا هو الابتداع بعينه، وللأسف هؤلاء الحدادية لا يختلفون عن أهل البدع الذين يجيزون الابتداع في الدين بناءً على أقوال الرجال دون دليل من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا إجماع الصحابة.
ما أردت إثباته هنا هو أنه لا فرق بين هؤلاء المبتدعة في العبادات وبين الحدادية، بل ربما كانت بدعة الحدادية أعظم وأشد خطرًا لأنها تتعلق بذات الله وصفاته، وصفات لم يقل بها رسول الله ولا الصحابة.
مصطفى الشرقاوي