هل (الدعوة إلى التوحيد) أهم من تحرير فلسطين؟!
كتبت هذا المنشور للرد على تشغيب “عبد الله بن فهد الخليفي” وأتباعه وأسأل الله أن يهديهم ويفتح قلوبهم إلى الحق.
وقبل الرد أردت التذكير بأن منشوراتي السابقة كان الهدف منها تقرير الآتي: “تعليق النصر على هداية جميع أفراد الأمة وتحقيق التوحيد بينهم جميعًا مغالطة = تسليم ديار المسلمين للاحتلال لأن ذلك لن يتحقق إلى قيام الساعة”.
وبلا شك في تاريخ الإسلام وقعت انتصارات للمسلمين مع وجود هذه المخالفات بل إن بعض قادة هذه الجيوش (وفقًا لتقييم هؤلاء) من المبتدعة وعباد القبور!
وذكرت أيضًا أن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين المسلمين (المنافق واليهودي والنصراني) وهؤلاء بلا شك يسبون الله ويرتكبون ما هو أعظم من عبادة القبور ومع ذلك لم نسمع أن صحابيًا خرج في النوازل العظمى التي حلت بالمسلمين وقال مثلا أثناء حصار المدينة: هداية المنافق أو اليهودي أعظم من الدفاع عن المدينة!
أو سمعنا أن أحدهم قال عند توجه المسلمين نحو مكة: هداية من يسب الله أعظم من فتح مكة!
بل إن الدفاع عن المدينة وفتح مكة أولى من هداية آلاف المرتدين والمنافقين والمشركين لأن بذلك يتحقق الأمن للموحدين لإقامة دينهم والثبات عليه والدعوة إليه وهذه أولوية.
هذا ما أردت تقريره والمنشورات السابقة شاهدة على مثل ذلك وللأسف فوجئت بأن أحدهم نشر صورة مبتورة لأول كلمات من المقال وطار بها يظن أنه ينصر الحق وما علم أن نصرة الحق لا تكون بهذا الباطل لكن لا بأس الله شهيد بيني وبينهم.
الآن نرد على كلامه الأخير استجابة لطلب بعض المتابعين رغم وضوح المسألة وكفاية ما سبق!
ظهر الخليفي ليرد على نقد كلامه القبيح بأنَّ توبة القبوري عنده أعظم من قتل ألف أمريكي أو ألف إسرائيلي وأن هداية من يسب الله خير من تحرير فلسطين!
قال في بداية صوتيته الجديدة إن هذا الكلام كان قبل ٣ سنوات، كقول المثل: (جاء ليكحلها فعماها) فمعنى كلامه هذا أنه قاله في ٢٠٢١ حين كانت غزة تعاني من حرب بسبب أحداث تدنيس المسجد الأقصى وتهجير سكان حي الشيخ جرَّاح!
ومع ذلك عاد لتسويغ كلامه ولم ينكر منه شيئا بل كانت الصوتية كلها لإثبات صحة ما قاله وبذلك وفر علينا عناء إثبات قصده واعتقاده بهذا الكلام فلماذا يتهم الناس بالتلبيس ويطلق العبارات في حق المسلمين؟!
وللرد على عموم كلامه في الصوتية أقول: إن كلامك وسياقه إنما هو في نازلة عظيمة لا تخفى على الجميع وبلا شك كنت تتكلم عن أحداث فلسطين ولذلك لا سبيل للعمومات ولذلك سأتحدث بالتحديد عن هذه القضية لأنها موضوع الساعة.
أولا: هذا الكلام لا يستقيم له معنى إلا إذا كان الخليفي يرى بأن أهل فلسطين على الكفر!
نعم لا أبالغ إن قلت ذلك ولم لا وقد بلغ به الغلو أن يكفر جماعات من أهل العلم الكبار!
ما هو الدليل على أنه يكفر أهل فلسطين؟
أقول: لو كان يراهم على الإسلام والتوحيد لما فاضل بين دعوة عابد القبر وساب الله عز وجل وبين قتل عشرات الآلف الموحدين وبقاء ديار الإسلام تحت الاحتلال!
بصيغة أبسط معنى كلامه: هداية المرتد عابد القبر أفضل عنده وأعظم من قتل آلاف الموحدين من أهل فلسطين وبقاء المسجد الأقصى تحت حكم اليهود الذين يسبون الله وينتهكون الأعراض!
وهذا ما حاولت شرحه في اعتراضي على كلامه الفاسد ولذلك بعد التشغيب والتلاعب لا سبيل لفهم كلامه إلا بتكفير أهل فلسطين، وبالتالي فإن هداية الواحد منهم عنده أفضل من تحرير بيت المقدس واستمرار قتل عشرات الآلاف وهؤلاء بلا شك بينهم الأطفال والنساء والشيوخ الموحدين!
ثانيًا: التحدث بهذه الطريقة عن قضية مثل هذه يوهم الناس وكأن أهل فلسطين يطوفون حول القبور وهذا غير صحيح وقد سألت بعض الإخوة وقالوا إن ظاهرة عبادة القبور غير منتشرة في فلسطين بل تكاد تكون منعدمة!
وأما وجود بعض المخالفات التي تصدر من آحاد الناس مثل سب الله عز وجل فلا ينكرها أحد وهي موجودة في جميع ديار المسلمين في كل زمان ومكان من لدن عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فلماذا المفاضلة بين تحرير ديار الإسلام وحفظ دماء الموحدين وبين هداية المرتد؟
ثالثًا: لماذا جذبته بعض المخالفات بينما تجاهل آلاف المقاطع لأهل فلسطين التي يظهر فيها الثبات والقوة واليقين والرضا بقضاء الله وقدره وقراءة القرآن تحت القصف؟
لماذا جذبته هذه المخالفات الفردية بينما يتجاهل تصريحات المجاهدين التي لا تخلو من آية أو حديث أو دعوة إلى الإسلام؟
ما باله يحزن على عابد القبر وساب الله ولا ينتبه أو لا يهتم لشأن آلاف المسلمين الذين يقتلون ومنهم الأطفال!
فإن كان يعتقد بكفر الكبار ولا يراهم على التوحيد (وهذا ما يفهم من كلامه كما سبق) فما حكم أطفال المسلمين؟
في صحيح البخاري: (باب فضل من مات له ولد فاحتسب) وذكر فيه حديث أنس: قال: قال النبي ﷺ: (ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم) وحديث أبي سعيد الخدري: (أن النساء قلن للنبي ﷺ: اجعل لنا يومًا، فوعظهن وقال: أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد، كانوا حجابا من النار، قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان) فماذا فيه من دلالتهما؟ حتى لا يعترض إن نقلنا عن ابن حجر العسقلاني من (فتح الباري) ويلمزه في عقيدته كعادته، أنقل من شرح قوام السنة الأصفهاني-وهو من أهل الحديث-للبخاري، قال: (فيه حديث أنس، وأبي سعيد من هذه الأحاديث دلالة أنَّ أولاد المسلمين في الجنة) وهل يكون في الجنة غير موحد يا خليفي؟
فثبت أنَّ أطفال المسلمين موحدون فهل هداية المرتد عنده أفضل من إنقاذ أرواح هؤلاء وبقاء ديار المسلمين تحت حكم اليهود والنصارى؟!
كيف يفاضل بين دعوة غير موحد وبين قتل آلاف الموحدين الذين لم يرتكبوا جريرة قط!
فليذهب إلى الجحيم هذا المشرك عابد القبر وساب الله!
رابعًا: هذا المفلس -إن أحسنت الظن به- يخلط بين حكم التوحيد وحكم الدعوة إلى التوحيد، فالتوحيد نفسه أول واجب على المكلفين، فهو رأس فروض الأعيان وهذا ما يدين به أغلب أهل فلسطين، وأما الدعوة إليه مسألة أخرى والدعوة إليه واجبة على الكفاية، لا على كل إنسان وبلا شك يوجد في فلسطين الدعاة والعلماء الذين يدعون الناس إلى ذلك.
وهذا الكلام وسياقه يُظهر أي شيء يحمله القوم وما يتصورونه عن قضايانا، ففلسطين ليست فيتنام الشيوعية حتى يقول إن هداية المشرك أحبَّ إلي من تحريرها، بل هي بلد موحد وغالب سكانها من المسلمين وفيها ثالث مساجد الإسلام منزلة، سلبت قبل نحو ٨٠ عامًا، فكيف تفاضل بين موحد وموحد إن كنت تقول بإسلام أهلها في الجملة؟
بل كيف يكون تعريض موحد للبلاء والفتنة بما قد يذهب توحيده أقل عندك من إدخال كافر واحد إلى التوحيد؟
يا رجل أنت نفسك حين تنشغل بدفاعك عن صورتك أمام أتباعك تسجل الساعات الطوال دفاعًا عن نفسك، ولا تقبل أن يقال لك لم لا تدعو إلى التوحيد حينها؟!
فالانتصار للنفس عندك على هذا أعظم من التوحيد؟ أم إنَّ ميزانك لنفسك دون ما تزن به الناس؟
فكيف والسياقُ محكَّم عند الفقهاء، أم تجعل من التوحيد آلة حتى يتابعك الناس وتتصدر على ذكر مأساة الناس في فلسطين؟
فانظر لقول (المالكية نصوا على كراهة الاستئذان بالذكر، لما فيه من جعل اسم الله تعالى آلة، قال في الفواكه الدواني: وما يفعله بعض الناس من الاستئذان بنحو سبحان الله، ولا إله إلا الله، فهو بدعة مذمومة، لما فيه من إساءة الأدب مع الله تعالى في استعمال اسمه في الاستئذان” (الموسوعة الفقهية، ج٣، ص١٥٠.) وأي إساءة لمن يجعل التوحيد آلة في سياق وأد الأطفال الموحدين؟ ويقول هو أعظم منهم!
خامسًا: هب أنَّ كافرًا ظُلم، ألا يجب العدل مع كل الناس؟
لو افترضنا أن سكان هذه الديار من الكفار والمشركين ووقع عليهم الظلم والقهر والقصف والعدوان الغاشم هل يسوغ لنا أنا نفاضل بين هداية أحدهم وبين رفع الظلم عنهم؟!
قال شيخ الإسلام: “العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال” ( الصفدية، ج٢، ص٣٢٧)، وجاء في الموسوعة الفقهية: “إذا استغاث الكافر فإنه يُغاث، لأنه آدمي، ولأنه يجب دفع الضرر عن الغير إذا كان آدميًا محترمًا) (الموسوعة الفقهية ، ج٤، ص٣٠)، هذا فيما يتعلق بالكافر فكيف بالموحدين؟
وسأضرب مثالا لا أتمنى أن يفهم بصورة خاطئة: البدون الآن يتعرضون للتهجير في إحدى مناطق الكويت التي يسكنها الخليفي وقد رأيت مناشدات شتى لإيقاف هذا القرار وبلا شك هذه المنطقة يسكنها الموحد والمشرك وقد يطال هذا التهجير الخليفي وجماعته، ماذا لو خرج أحدهم (غير الخليفي) يزايد على هؤلاء الناس المساكين وقال: إن هداية المشرك الواحد أعظم من إنصاف أهل هذه المنطقة والاعتراف بحقوقهم!
بلا شك لا يرضى بذلك الخليفي نفسه بهذه المغالطة ففي بقاء أهل المنطقة في بيوتهم ما يحفظ توحيد الناس وأعراضهم بل كما ذكرت فإن تعريض الموحد للبلاء قد يذهب توحيده والعياذ بالله فهل هداية المرتدين أفضل من ثبات الموحدين وأمنهم في بيوتهم على دينهم وأعراضهم؟!
في الختام أقول والحزن يعتصر قلبي: إن هذا الفكر الحدادي، الذي يتسلل بين صفوف المسلمين كالسم في العسل، يعد من أخطر الأوبئة الفكرية التي شوهت صورة الإسلام بين أهله وبالطبع أمام الكفار الذين تُرجى هدايتهم.
إنه فكر لا يرى إلا التكفير والتفسيق والتبديع، لا يعرف الرحمة ولا يدعو إلى التآلف. بل إنه يقطع أواصر الأخوة، ويفرِّق بين الناس، فينفر المسلم قبل الكافر من الدين.
هذا الفكر ليس إلا نذير شؤم يبعدنا عن الحق ويصدنا عن الحكمة التي جاء بها الإسلام ليكون رحمة للعالمين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
نسأل الله أن يفتح بصائر المخدوعين به، وعلى رأسهم المدعو عبد الله الخليفي، ليهديهم إلى الحق، ويريهم نور الهداية.
اللهم آمين