يضع المجترئون على علماء الإسلام متابعيهم بين خيارين، ولسان حالهم أو مقالهم: هل ابن حجر والنووي أعزّ عليكم من الله؟!
وربما ظن الواحد منهم نفسه أنه في ذلك تبع لخطيب الأنبياء شعيب عليه السلام حيث قال: أرهطي أعزّ عليكم من الله؟
وحاشا نبي الله شعيبا أن يكون كتسطيحهم..
وإنما القسمة الصحيحة هكذا :
الله أمر بالعدل والتثبت وفهم الواقع واتباع طريقة تعامل علماء زمانهم معهم وكما قرأت أمس على صفحة محمد شمس الدين علمنا الله: ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا
لذلك فإن هذه الإطلاقات العجيبة مآلاتها خطيرة وقد حذرتك من عاقبتها والآن نراها أمام أعيننا!
في ظني أن هذا الأسلوب ليس منبعه اتباع السلف بل هو الرأي وما يمليه المزاج النفسي ولو خالف أهل الأرض جميعًا وقد اعترفت بنفسك لي أن فتنة كبيرة وأحسب أنك قد وقعت فيها وقد حذرتك أن تكون رأسًا فيها!
فإن قلت ولكننا نتبع السلف في هذه الإطلاقات والأقوال! قلت: السلف لم يحكموا على عين ابن حجر والنووي وغيرهما ولا كانوا في زمانهم، ومن اشتهر باتباع السلف في عصر هؤلاء العلماء أو في العصور الأخرى بعدهم لم يحكموا عليهم بحكمك ولم يتعاملوا معهم بطريقتك بل نُقل عنهم الثناء ووصفهم بالإمامة والعلم والزهد وحتى من لم يقل بإمامتهم فإنه يثني عليهم ويشهد بعلمهم ويعدهم من علماء الإسلام ولا يسلك طريقتك في الذم والسخرية والإسقاط ولم يكن ديدنهم البحث عن أخطائهم والطعن فيهم وحمل كلامهم على أسوأ ما يكون بل يلتمسون الأعذار ويردون بعلم وأدب يحفظ لهؤلاء العلماء مكانتهم التي يستحقونها.
لقد سألته -محمد شمس الدين- وسأله غيري عن قوله باختلاف العلماء في كفرهما فلم يذكر عالمًا يعتد بعلمه كفرهم بأعيانهم، وأما مقطعه الذي سئل فيه عن حكم تكفيرهم فلم أجد فيه سوى الإطلاقات كالعادة -ويعلم الله قبل أن أفتح المقطع للتحقق من كلامه أني توقعت أن يقول ذلك- وبناء على هذه المعادلة الرياضية الفاسدة أفتى بأن من كفرهم فقد أسقط حكم السلف عليهم هكذا بكل بساطة! ثم يضحك ويسخر من كلمة (تسويغ كفرهم) وكأننا افترينا عليه!
هذه الإطلاقات لا يقرها العلماء بل حتى علماء السلف (أصحاب هذه الإطلاقات) لم يكفروا أعيان كثير من أهل زمانهم ممن وقعوا في هذه المكفرات بل وحملوا الناس عليها، ومن يشاهدك من العامة يظن أن المسألة محسومة دون شروط وكأنها للأسف مسألة رياضية بما أن فلانًا وقع في كذا فهو كافر مباشرة ومن وقع في كذا فهو مبتدع مباشرة وهذا لا يقول به أحد من أهل العلم بل لم يطبقه من أطلق هذه العبارات على أهل زمانه جميعًا!!
ولو كان هذا مقصود السلف فهل داهن أهل العلم من أتباع السلف بعد القرون الأولى؟
فإن قلت كانوا يخشون من سطوة الأشاعرة -كما زعم أحدهم- فماذا عن أهل العلم بعدهم؟
وماذا عن أهل العلم بعدهم … وماذا عن علماء زماننا؟!
كل هؤلاء ضلوا عن هذه المسألة وفتح الله عليك بها، والعجيب أنك تسوغ تكفيرهم ثم تتبرأ من التكفير وتنزعج عندما يقول أحدهم: يكفرهم أو يسوغ كفرهم وقد اخترتُ في كلامي عنك الثانية حتى لا أعطيك فرصة للهروب والمراوغة وأنت لم تنكر ذلك في البث الذي نشرته أمس!
أنت بفعلك هذا كأنك أعطيت أحد السفهاء سلاحًا وعندما استعمله وقتل الناس تتهرب من المسؤولية!
يا أخ محمد هؤلاء العلماء مسلمون باتفاق أهل العلم الذين يُعرفون باتباع ومعرفة أقوال السلف في زمانهم ومن بعدهم، بل هم عندهم من فضلاء الناس ولا أحد من أهل العلم والإنصاف إلا و يعرف لهم فضلهم حتى وإن رد عليهم وأغلظ في النكير عليهم!
الحافظ الزاهد القدوة ابن رجب -على سبيل المثال لا الحصر- أعلم مني ومنك بفقه السلف وأشد اتباعًا لهم مني ومنك بمراحل تنقطع دونها محركات المركبات! ماذا قال عن الإمام النووي؟!
قال عنه: الفقيه الإمام الزاهد القدوة أبا زكريا يحيى النووي.
وبمثل ذلك قال الذهبي وابن كثير وابن العطار وابن عبد الهادي وغيرهم وهم أعلم وأفهم منك بالسلف بل وضعك في مقارنة معهم منقصة في حقهم.
للأسف هذا الأخ ومن على شاكلته حينما تتكاثر ردود أهل العلم وطلبته ويعلو صوت نكيرهم عليهم فإن ملاذهم الأخير هو ادعاء المظلومية، ومن حيل الشيطان في الاستحواذ على النفس أن يلقنهم بأنهم في زمان الغربة (اصبروا يا أهل السنة)! ويقع في وهمهم أنه لا أحد في الساحة يغار على الحق غيرتهم ..فلا تؤثر فيهم المواعظ وينظرون بعين الريبة لكل من همّ بنصحهم بل ويصفونهم بالمدجنة ويدعون زورًا أنهم يمتحنون الناس بابن حجر والنووي ولا يخطر في بالهم مثلاً أن ذلك من إنصافهم والذب عنهم ويكررون ذلك كثيرًا بل أقنع هذا الأخ بعض أتباعه بأن هذه هي المشكلة الأساسية وهذا من تلبيس إبليس وإنا لله وإنا إليه راجعون!
الذين ناصحوك هم على السنة ويعتقدون بما تعتقد ويقرون كما أقر الأئمة والعلماء من أتباع السلف بأخطاء هؤلاء العلماء -الأشعرية- لكن للأسف أعجبك التلبيس على الناس وادعاء المظلومية كما فعل دعدوش معي ومعك، رغم أن الأقرب للخطور على عقل الموفق أن يتخذ من ذلك وقفة للمراجعة لا سيما وأنت منذ سنوات قليلة كنت تقول بما تنكره اليوم وهو ما عليه علماء الأمة -حاليًا- الذين تتمسح بهم وغيرهم من الأئمة والعلماء قبلهم فما الذي تغير؟!
أمس قلت لك يا أخ محمد إن أول من أنكروا عليك هذا المسلك هم أهل السنة وهؤلاء لا يعرفون ببدعة، ولا هم متهمون بمآرب خبيثة بل كانوا يحسنون الظن بك حتى فترة قريبة وأنت تعلم ذلك، وهم على جادة الأئمة من المشايخ الثقات من أهل السنة يقولون بقولهم في النووي وابن حجر وغيرهما ولا يقبلون بأسلوبك ومنهجك في التعامل معهم ومع غيرهم من أهل العلم.
وقد ذكرت في رسالتي التي أرسلتها إليك منذ أشهر: من سل سيف البغي قتل به وأنا أحسب أن هؤلاء الأئمة من أولياء الله بما كتب لهم من قبول في الأرض، ولن نسلمهم فنحن أولى بهم من الأشاعرة وما يحدث يشبه كثيرا محاولات صابر مشهور عزل الإمام الحاكم عن أهل السنة وتسليمه للشيعة مع الفارق في المضمون وكما انتفضنا له مع علمنا ما في كتابه من أخطاء ذكرها العلماء وتعقبوه فيها سوف يكون نفس الأمر مع أئمة الحديث أمثال ابن حجر والنووي وغيرهما.
وختامًا أقول: قد جرت السنة الإلهية في مثل ذلك أن من يركب رأسه ولا يلتفت لنصح الناصحين فإن عاقبته إلى خذلان ولو بعد حين.
أسأل الله تعالى لي ولكم العافية والهداية.
مصطفى الشرقاوي