خطيب عرفه .. لمن عرفه
المتأمل في أشراط الساعة الوسطى والكبرى يجد أنَّ أمرًا واحدًا يكادُ يكون مشتركا بينها، ألا وهو الاختلال في النظام العام للمجتمع، الذي يتبعه اختلال في النظام العام للكون، فتبدأ العلامات بانقلاب الموازين في حياة الناس وعاداتهم وأخلاقهم، فتلدُ الأمَةُ ربَّتها، ويتطاول الحفاة العراة بالبنيان، ويكثُر الهرجُ والفساد، وينتشر الزنا والخَنا، ويُصدَّق الكاذبُ ويُكذَّبُ الصادقُ، ويؤتَمنُ الخائنُ ويُخوَّنُ الأمينُ، وينطقُ الرويبضة!!
ثم تنتقل العلامات بالانقلاب في المجريات الكونية حتى تطلع الشمس من مغربها على خلاف العادة.
هذه العلامات وغيرها وردت في السنة النبوية الشريفة على هيئة باقات ومجموعات، لكنَّ واحدةً من العلامات أفردها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في موضع واحد، فأجاب السائل عن الساعة متى هي قائلا: “إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله”.
ولقد أصبحت هذه العلامة في زماننا من أظهر العلامات، وعلى جميع الأصعدة، فقد أُسندت أكثرُ الولايات العامة والخاصة، ومثلها الإدارات العامة والخاصة، إلى من لا دينَ له ولا أمانةَ ولا خُلق، ولا يراعي حقًا للخالق ولا المخلوق، وعمَّ بذلك الفساد وطمَّ، حتى وصل الأمر إلى المؤسسات الدينية الشرعية والمنابر الخطابية، وتولى توجيهَ الناس وإرشادهم الجُهال والسفهاء، ومن في لسانه عيٌّ وفي عقله خبَل.
لكن ما سيحصل هذه السنة من الاختلال أمر غير مسبوق، تجاوز كلَّ الحدود، حيث أُسنِدت أمانةُ الخطبة العظمى في أعظم خطبةٍ في السنة، وفي أعظم موسم في السنة، وفي أكبر حشدٍ في العالم، إلى أراذل الناس وسقَطَتهم، بل من هو متَّهمٌ بالردَّة عن دينه فذاك أمرٌ جلل، مؤذِنٌ بخَطبٍ جلل، إلا أن يشاء ربي شيئا، إنَّ ربي لطيف لمن يشاء.
د. جمال الباشا