الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، أما بعد؛
1. فلم يقُل فقيهٌ شافعيٌّ ولا غيرُ شافعيٍّ بتجويزِ الدعاءِ بالرحمة لمن ماتَ على كفرِهِ، فحكاية ذلك عن أحدٍ من الشافعية غلط وسوءُ فهمٍ للنصّ المنقول.
ونصّ العلامة القليوبيّ المتداول محله في الكافر الحيّ والرحمة الدنيوية بلا استرابة.
وعبارته: (ويجوزُ بمغفرةِ ما عَدَاهُ – خلافًا للنوويِّ – بالرحمةِ وبصحةِ البدنِ وكثرةِ المالِ والولدِ وبالهدايةِ، ويَجُوزُ التأمينُ على دعائه، ويجوز طلب الدعاء منه).
فقد عطف على الرّحمة: صحة البدنِ وكثرة المال والهداية، وجميعُها لا يدعى به إلا للكافرِ الحيّ، وعطفَ على الجملة: التأمين على دعائه وطلب الدعاء منه، فمن الكافرُ الذي يؤمنُ على دعائه ؟ ومن الكافرُ الذي يُطْلَبُ الدعاءُ منه ؟
وتحويزُ الدعاء للكافر الحيّ بالرحمة الدنيوية بأن يرزق ويدفع عنه = قول مشهور عند المفسرين.
2. ساق الإمامُ النوويّ رحمه الله ورضي عنه الإجماعَ على تحريمِ الدعاءِ لمن ماتَ على كفرِهِ بالمغفرة.
ونصّ على هذا التحريم هذا أعيانُ الشافعيّة وأئمتهم بلا تخصيصٍ ولا استثناء بتأويلٍ.
نصّوا على هذا التحريم في مواضِعَ ومسائلَ مختلفةٍ، ولا تجدُ فيهم رادًّا ولا مخصصًا.
أ. فنصَّ الإمام الشافعيُّ رضي الله عنه، وجميعُ متقدّمي أصحابه ومتأخريهم، على أنه لا يُقال في التعزية بكافرٍ: (وغفر لميتك)، وعلل ذلك جميعُهم بأن الاستغفارَ للكافرِ حرامٌ، هذا لفظُهم، لفظ ابن الرفعة والدميريّ والخطيبِ والرمليِّ وغيرهم، وكذا الزياديّ وابن حجر فقالا: (ولا يقول: وغفر لميتك؛ لأنه حرامٌ).
ب. ونصّ القاضي حسين والبغويُّ والنوويُّ وشيخ الإسلام زكريا وابن حجر الهيتميُّ والخطيبُ والرمليُّ رحمهم الله على أنه حيث اختلطَ المسلمون بالكفارِ ، وصلى المسلمُ عليهم واحدًا واحدًا، قال: (اللهم اغفر له إن كان مسلمًا).
ج. ونصّ ابن حجر والخطيب والرمليّ على أن من صلى على سقطٍ علم كفر أبويه = حَرُمَ عليه الدعاءُ لهما بالمغفرة والشفاعةِ ونحوِها، مع إمكانِ التأويل في ذلك بمغفرة ما سوى الشرك والشفاعة في تخفيف العذاب، ولا مؤول ولا قائل في ذلك بإمكان التأويل.
3. أما بحث القليوبيّ والشبراملسيّ تجويز الدعاء بالمغفرة لمن مات على كفرِهِ بتأويله بمغفرة غير الشرك = فمخالف للإجماع الذي ساقه الإمام النوويّ رحمه الله، ومخالف للمنقول الصريح في ألفاظ التعزية بكافرٍ عن الإمام وجميع أصحابه متقدمهم ومتأخرهم.
ومعلومٌ أن البحثَ حيث خالف المنقولَ رُدّ، فما بالك باجتماع مخالفة الإجماع والمنقول المذهبي.
ولئن طال بك زمانٌ لترينّ من يجوز صلاة الجنازة على الكافرِ بتأويل الاستغفار بمغرفة غير الشرك والترحم بتخفيف العذاب، ولا يحجز عن ذك إلا إجماعٌ.
4. الإجماع سياج الشرع، ولردُّ بحث فقيه متأخرٍ بمخالفته خيرٌ من فتقٍ لا يُرتق.
5- الاستدلال على تجويز الترحم على الكافر بقول الله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) = إحداثٌ تفسيرٍ لم يقل به أحد، فلم يفهم مفسرٌ ولا غير مفسّرٍ دخول الكافر في رحمة الآخرة في هذه الآية.
6- الاستدلال بتخفيف العذاب عن أبي طالبٍ بشفاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على جواز الترحم بهذا التأويل = فاسدٌ، أما من يمنع غير المجتهد من الاستنباط فواضحٌ فساده، وأما من يُجوّز إنشاءَ استدلالِ ليس منصوصًا لمجتهدٍ متقيدًا بأصوله = فمؤدّ إلى ما لم يقل به أحد.
وأخيرًا؛ فما رأيته من منشوراتٍ ومرئياتٍ = مصيبةٌ كبيرة، وفتحُ باب شرّ، ولئن لم يصُن المتشرعة مواضع الإجماعِ عن الانخرامِ بالأفهامِ المعاصرة السقيمة ليكوننّ شرٌ عظيم.
نسأل الله السلامة والعافية بفضله.
الشيخ محمد سالم بحيري
من علماء الشافعية