فِي ظِلِّ مَوْجَاتِ الْهُجُومِ النِّسْوِيَّةِ عَلَى أُمَّتِنَا، وَاتِّهَامِهِمْ لِشُعُوبِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ بِظُلْمِ الْمَرْأَةِ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَى حُرِّيَّتِهَا فِي مُمَارَسَةِ الْجِنْسِ، وَالْمُطَالَبَةِ كَذَلِكَ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْمِيرَاثِ وَاتِّبَاعِ مَنْهَجِ الْغَرْبِ الْعَلْمَانِيِّ، تُطِلُّ عَلَيْنَا قِصَصُ نَجَاحٍ غَريبَّةٌ عَجِيبَةٌ فِي مُوَاجَهَةِ ظَاهِرَةِ رَمْيِ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ عِنْدَهُمْ.
فَقَدِ اِبْتَكَرَتْ إِنْسَانِيَّةُ الْغَرْبِ الْعَلْمَانِيَّةُ أَخِيرًا مَا يُسَمَّى Baby Box. وَهُوَ صُنْدُوقٌ مُجَهَّزٌ لِاسْتِقْبَالِ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ الَّذِينَ يَرْغَبُ أَبَوَاهُمْ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهُمْ.
فَبَدَلًا مِنْ رَمْيِ الطِّفْلِ عِنْدَ حَاوِيَاتِ الْقُمَامَةِ أَوْ أَمَامَ الْكَنَائِسِ أَوْ عَلَى أَرْصِفَةِ الطُّرُقَاتِ، جَاءَتْ إِنْسَانِيَّةُ الْغَرْبِ لِتُنْقِذَهُمْ مِنْ هَذَا الْمَصِيرِ الْمُؤْلِمِ، وَتُقَدِّمَ لَهُمْ أَحْدَثَ اِبْتِكَارَاتِهَا، فَجَهَّزَتْ صَنَادِيقَ فِي الشَّوَارِعِ مُخَصَّصَةً لِاسْتِقْبَالِ الْأَطْفَالِ، وَمَا عَلَى الْأُمِّ الَّتِي تَتَرَفَّعُ عَنْ مَسْؤُولِيَّاتِهَا تُجَاهَ هَذَا الطِّفْلِ إِلَّا أَنْ تُلْقِيَ بِهِ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ الْمُخَصَّصِ بِكُلِّ ثِقَةٍ، وَتَمْضِيَ لِحَيَاتِهَا غَيْرَ مُتْعَبَةِ الضَّمِيرِ.
وَقَدْ أَخْبَرُوهَا أَنْ تَطْمَئِنَّ عَلَى طِفْلِهَا، فَهُوَ سَيُصْبِحُ فِي أَيْدٍ أَمِينَةٍ رَغْمَ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ عَنْهُ وَلَا عَنْ مُسْتَقْبَلِهِ شَيْئًا، وَبِذَلِكَ تَسْتَطِيعُ الْأُمُّ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْ عِبْءِ طِفْلِهَا الْمُتْعِبِ وَاحْتِيَاجَاتِهِ، وَبَدَلًا مِنْ مُحَارَبَةِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ بِالطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ أَخْبَرُوهَا بِأَنَّهَا قَدْ أَدَّتْ مُهِمَّةً إِنْسَانِيَّةً حَيْثُ تَرَكَتْ هَذَا الطِّفْلَ يَأْخُذُ فُرْصَتَهُ فِي الْحَيَاةِ وَالْوُجُودِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، هَكَذَا يَأْتُونَ بِالْحُلُولِ، وَهَكَذَا هِيَ الْحَيَاةُ عِنْدَهُمْ بِاخْتِصَارٍ.
فِي بِرِيطَانْيَا تُشِيرُ الدِّرَاسَاتُ إِلَى أَنَّ مُعْظَمَ الْمَوَالِيدِ حَالِيًّا يُولَدُونَ خَارِجَ إِطَارِ الزَّوْجِيَّةِ، أَيْ: أَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي يَمْلِكُ أُمًّا وَأَبًا، وَيَعِيشُ فِي كَنَفَيْهِمَا أَصْبَحَ مِنَ الْأَقَلِّيَّاتِ الْيَوْمَ فِي أَرْقَى الدُّوَلِ وَالْحَضَارَاتِ الَّتِي يُطَالِبُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ بِاتِّبَاعِهِمْ.
وَفِي الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ مِلْيُونَيْ وَنِصْفِ الْمِلْيُونِ طِفْلٍ بِلَا مَأْوَى، وَهُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ لَقِيطٍ سَنَوِيًّا تُلْقِيهِ الْأَيْدِي الْآثِمَةُ فِي أَرْصِفَةِ الطُّرُقَاتِ.
وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْظُرُ الطِّفْلُ فِي بُلْدَانِنَا إِلَى أُمِّهِ فَيَرَاهَا نَبْعَ الْحَنَانِ، وَمَوْطِنَ الْأَمَانِ وَالسَّكِينَةِ وَالْحُبِّ، يَرَى الطِّفْلُ الْمِسْكِينُ عِنْدَهُمْ فِي مَسْكَةِ يَدِهَا مُجْرِمًا يَخْطَفُهُ نَحْوَ الْمَجْهُولِ وَيَحْرِمُهُ مِنْ كُلِّ دِفْءٍ وَحُبٍّ وَسَكِينَةٍ، وَيَرَى فِي وَجْهِ أُمِّهِ يَدًا شَيْطَانِيَّةً تُلْقِي بِهِ إِلَى جَحِيمِ الدُّنْيَا؛ لِيَكْتَوِيَ بِكُلِّ أَوْجَاعِ الذُّلِّ وَالْقَهْرِ وَالْوَهْنِ، مُقَابِلَ لَحْظَةِ شَهْوَةٍ وَمَشَاعِرَ بَلِيدَةٍ ذَهَبَتْ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، لِتَتْرُكَ مَأْسَاةً يَرَاهَا أَهْلُ الدِّرَاسَاتِ الْعِلْمِيَّةِ مُجَرَّدَ إِحْصَائِيَّةٍ تَفِيضُ بِأَعْدَادٍ كَثِيرَةٍ بَيْنَ الْآلَافِ وَالْمَلَايِينِ…
وَكَانَ مِنْ بَيْنِ الْحُلُولِ السِّحْرِيَّةِ أَيْضًا تَشْرِيعُ الْإِجْهَاضِ، وَقَتْلُ الْأَطْفَالِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا؛ لِوَقْفِ نَزِيفِ أَبْنَاءِ الشَّوَارِعِ وَاللُّقَطَاءِ وَأَطْفَالِ الْبِيبِي بُوكْس تَحْتَ سِتَارِ حُرِّيَّةِ الْمَرْأَةِ فِي جَسَدِهَا وَجَنِينِهَا الَّذِي تُقَرِّرُ هَلْ يَخْرُجُ لِلْحَيَاةِ أَمْ تَقْتُلُهُ؟!
وَعِنْدَمَا نُتَابِعُ إِحْصَائِيَّاتِ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي عَمَلِيَّاتِ الْإِجْهَاضِ خِلَالَ الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ أَوْ هَذَا الْعَامِ فَقَطْ نَرَى نَتِيجَةَ هَذَا الْفِكْرِ الْخَبِيثِ، وَكَيْفَ يُرَادُ لِمُجْتَمَعَاتِنَا أَنْ تَقْتَدِيَ بِهِ لِإِهْلَاكِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ وَالْقَضَاءِ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ بَلْ حَتَّى الْحَيَوَانُ يَرْفُضُ التَّعَامُلَ مَعَ صِغَارِهِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْبَشِعَةِ.
فَقَدْ قُدِّرَتْ أَعْدَادُ عَمَلِيَّاتِ الْإِجْهَاضِ الْمُبَلَّغِ عَنْهَا حَوْلَ الْعَالَمِ مُنْذُ شَهْرِ يَنَايِرَ الْمَاضِي إِلَى شَهْرِ يُولْيُو مِنَ الْعَامِ الْجَارِي أَلْفَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ بِمَا يُقَارِبُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ مِلْيُونَ طِفْلٍ قُتِلُوا هَكَذَا بِمُنْتَهَى الْبَسَاطَةِ؛ لِأَنَّ أَبَوَيْهِمْ لَا يُرِيدَانِ تَحَمُّلَ الْمَسْؤُولِيَّةِ، أَوْ أَنَّ اِمْرَأَةً قَضَتْ شَهْوَةً عَابِرَةً مَعَ رَجُلٍ أَوْ رِجَالٍ وَلَا تَرْغَبُ فِي هَذَا الطِّفْلِ!
ظَاهِرَةُ Baby Box أَوِ الْإِجْهَاضُ، هِيَ وَجْهُ الْعَلْمَانِيَّةِ الْمُجْرِمُ الْمُتَمَثِّلُ فِي الْأُمِّ الَّتِي تَحْمِلُ أَبْنَاءَهَا بِكُلِّ مَشَاعِرِ الْإِنْسَانِيَّةِ؛ لِتَدْفِنَهُمْ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَجْهُولِ، وَجَحِيمِ الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ تَقْتُلَهُمْ بِعَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتِمُّ بِالْقَانُونِ، وَتَحْتَ شِعَارَاتِ الْحُرِّيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَجَسَدِي ثَوْرَةٌ وَلَيْسَ عَوْرَةً، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشِّعَارَاتِ الَّتِي تَهْدِفُ لِتَدْمِيرِ الْمُجْتَمِعَاتِ وَالْقَضَاءِ عَلَى الْفَضِيلَةِ.
ثُمَّ يَأْتِيكَ مَنْ يَحْمِلُونَ وَجْهَهُمُ الْقَبِيحَ بِكُلِّ خُبْثٍ وَنَذَالَةٍ، لِيَسْتَدْرِجُوا نِسَاءَنَا وَبَنَاتِنَا بِسَرَابِ الْحُرِّيَّةِ، وَيُهْلِكُوا أَطْفَالَنَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فِي مُسْتَنْقَعَاتِ الظُّلْمِ الْعَمِيقَةِ، وَيَطْعَنُونَ فِي كُلِّ شَرِيفٍ أَوْ شَرِيفَةٍ يَرْفُضُونَ هَذِهِ الْحَيَاةَ الْبَهِيمِيَّةَ، بَلْ وَيَتَّهِمُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّبَقِ الْجِنْسِيِّ وَالتَّفْكِيرِ بِالشَّهَوَاتِ فَقَطْ، وَهُمْ أَوْلَى بِهَذِهِ التُّهْمَةِ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: رَمَتْنِي بِدَائِهَا وَانْسَلَّتْ!
وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَعْتَقِدُ الْبَعْضُ أَنَّنَا نُنْكِرُ الثَّوْرَةَ التِّقْنِيَّةَ وَالتَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ الْغَرْبُ، وَلَكِنْ أَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي جِلْدَتِنَا إِلَّا أَنْ تَنْقُلَ مِنْهُمْ أَقْبَحَ مَا لَدَيْهِمْ.
وَصَدَقَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْمُحْسِنِ الْأَحْمَدُ عِنْدَمَا قَالَ: يَضْرِبُ لَكَ مَثَلًا بِتَطَوُّرِ الْغَرْبِ فِي الصِّنَاعَةِ، ثُمَّ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ إِلَّا فُجُورَهُمْ وَدَعَارَتَهُمْ.
كَالَّذِي يُثْنِي عَلَى وَفَاءِ الْكَلْبِ ثُمَّ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ إِلَّا نُبَاحَهُ!
كَانَتْ هَذِهِ وَاحِدَةً مِنْ مَظَاهِرِ الْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي تُرَادُ لِمُجْتَمَعَاتِنَا، وَلَوْلَا الْمَلَلُ وَخَشْيَةُ أَنْ يَطُولَ الْوَقْتُ لَذَكَرْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْقَامِ وَالْإِحْصَائِيَّاتِ وَالْكَوَارِثِ الَّتِي تَشِيبُ لِهَوْلِهَا الْوِلْدَانُ، وَلَكِنَّ هَذِهِ وَاحِدَةٌ تَكْفِي الْعُقَلَاءَ.. فَهَلْ مِنْ مُعْتَبِرٍ!!