ما رأيت أخبث من ظاهرة غلاة التكفير خوارج الفيسبوك وتويتر الذين يطاردون المصلحين ويتعمدون التهجم عليهم في التعليقات أو في منشوراتهم إضافة إلى سوء خلقهم وألفاظهم الوقحة.
يجلس أحدهم خلف الكيبورد وتحت المكيفات أو في دفء الدفايات وإخوانه في الساحات يبذلون أرواحهم رخيصة مضحين بكل ما يملكون لنصرة هذا الدين وهو لايخدم دينه بكلمة نافعة، فقط لا يحفظ منه غير كلمة كافر ومرتد ليصبح أسوأ مثال وممثل عنهم عبر مواقع التواصل ثم يتساءل بعد ذلك عن سبب هجوم الناس عليهم.
هذا العاطل صاحب المذهب المرذول والبدعة القبيحة يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء”، وآثار السلف بفوز مداد العلماء على دماء الشهداء في الميزان يوم القيامة، فيقول له شيطانه العلم صعب وأين أنا والعلم وأنا لا أعرف الإملاء أصلا ومافائدة العلم والعقيدة فاسدة فأسهل طريق نكفر العلماء ونرتاح.
هذا العاطل صاحب المذهب المرذول والبدعة القبيحة يسمع قول الله تعالى: “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين”، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم“، فيقول له شيطانه الدعوة تحتاج لعلم وجهد وبذل وخفض جناح للناس وخلق حسن كريم وتأليف للقلوب وتضحيات كبيرة مالي ولذلك وأنا أحب العطالة ولساني قذر نجس لا أعرف إلا السب والتكفير ثم مافائدة الدعوة والعقيدة فاسدة عند الدعاة والمدعوين فأسهل طريق نكفر الدعاة والمدعوين ونرتاح.
هذا العاطل صاحب المذهب المرذول والبدعة القبيحة يسمع عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام حتى تتفطر قدماه وفي الصوم الدائم وفي الذكر المتواصل وفي سائر العبادات ويسمع عن سير العباد والزهاد من السلف والخلف فيقول له شيطانه أما هذه العبادات فما أثقلها ومن أين أجد لها الوقت مع الفيسبوك وتويتر والمجادلة مع خلق الله وأين قلبي النقي الذي يناجي الله تعالى ويستلذ بذلك وقد أظلم هذا القلب بما فيه من غل وبغض لكل من حولي وما فائدة العبادة دون توحيد الأهم التوحيد يعني تكفير الناس فأسهل طريق الانشغال بالتكفير ونرتاح.
هذا العاطل صاحب المذهب المرذول والبدعة القبيحة يسمع قول الله تعالى: “وبالوالدين إحسانا”، وحديث: “أحب الأعمال إلى الله بر الوالدين“، ويسمع قول نبيه صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله”، وآيات وأحاديث صلة الرحم والقرابة فيقول له شيطانه أبوك وأمك وسائر أهلك كلهم مرتدون فمالك ولهم تبرأ منهم وأظهر لهم العداوة والبغضاء حتى يؤمنوا بالتكفير وحده -طبعا مع استثناء لو احتجت منهم شيئا من المال لأني عاطل باطل فلابأس من إظهار بعض المودة- ومافائدة صلة الرحم مع محاربين للعقيدة ولايقبلون الدعوة للتفريد ويحرصون على التنديد فأسهل طريق نكفرهم ونرتاح.
هذا العاطل صاحب المذهب المرذول والبدعة القبيحة يسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه“، فيقول له شيطانه مالي ولتعلم القرآن وتعليمه وأنا لا أحسن قراءة الفاتحة والتجويد أصلا بدعة وعلماؤه مشركون فهل أدرس عليهم ومافائدة إقامة حروف القرآن والعقيدة فاسدة فأسهل طريق نكفر هؤلاء ونرتاح.
هذا العاطل صاحب المذهب المرذول والبدعة القبيحة يقر بفضيلة الجهاد وخيرية المجاهدين ولكن أين الجهاد الحق، فكلهم على منهج باطل حتى من كان يظنهم على التوحيد ظهر له أن كبارهم يعذرون المشركين ويؤسلمون المجتمعات والجهاد صعب وشديد ومالي وللتعرض للأسر والقتل والتشريد؟ ما أجمل الكيبورد والجهاد من ورائه وأهم شيء جهاد التكفير فأسهل طريق أبحث عن كل من لم ينفر للجهاد غيري فأكفره وأرتاح.
وهكذا وهلم جرا .. لن تجد لهم أي حضور في أمر يخدم هذا الدين بل تجد كل حضورهم في إسقاط كل من يعمل لهذا الدين بحجة مانكح عقله من فكر إبليسي أن تنقية العقيدة أولا هي بتكفير المسلمين لأنهم بين واقع في الشرك (طبعا الشرك الذي تولد في عقله من هذا النكاح الإبليسي) وبين عاذر لهؤلاء المشركين وهم البقية جميعا.
أكتب هذه الكلمات للتحذير من هذه الظاهرة بعد أن طفح الكيل من هؤلاء وانتهت كل وسائل النصح أو التجاهل سواء مني أو من غيري من خلال منشورات سابقة أو ردود على تعليقاتهم فحسابات كثيرة تئن منهم
إن هؤلاء قد فاقوا الخوارج بسنين ضوئية كما بينا في لقاء سابق مع الأخ مصطفى الشرقاوي، وصار تكفير الناس عندهم مثل شرب الماء.
لم يتركوا قضية للمسلمين فيها مواجهة مع أعداء الدين إلا كان موقفهم في صف أعداء الدين شماتة أو نكاية بخصومهم.
هؤلاء المرضى يرابطون على مواقع التواصل الاجتماعي وحساباتهم خاوية -إلا من التكفير والتنفير- ولا إنتاج لديهم سوى التعليقات السلبية فقط.
يتهمون غيرهم بالتقصير في حق الدين ويطالبون الناس بالنفير والجهاد بينما هم لا يفعلون ذلك بل لا يشعرون بتقصيرهم أصلا في حق الدين، رغم أن حالهم لا يختلف كثيرا عن خصومهم بل أسوأ، فعلى الأقل خصومهم يجتهدون في العمل لدين الله قدر المستطاع ويحاولون المحافظة على دعوتهم وهداية الناس بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله تعالى.
لم يتركوا شخصية إسلامية تعمل في مجال الدعوة إلى الله حتى لو كانت غير مؤيدة للحكام إلا جرحوها وكفروها لأنها لا تقول ما يريدون، ويبذلون أوقاتهم في التنقيب عن أخطاء المسلمين بالمجهر للطعن فيهم أو تكفيرهم وهذا مسلك أعداء الدين.
لو أن هؤلاء سخروا أوقاتهم في مطاردة العلمانيين والنصارى وأعداء الإسلام إن كانوا أهلا لذلك أو لإصلاح أنفسهم والتزود لآخرتهم بالعبادة والتعلم لكان أنفع لهم في الدنيا والآخرة، ولكن بحسب متابعة دقيقة لسلوكهم فهم يستهدفون فئة معينة يقفون على ثغور الإسلام الدعوية بقدر استطاعتهم، وهم يتمنون نصرة هذا الدين بأرواحهم ولكنهم على مافي الحديث (إن بالمدينة لرجالا ماقطعتم واديا ولاسرتم مسيرا إلا شركوكم في الأجر .. حبسهم العذر)، وهذا لا يعني عدم وقوعهم في الأخطاء في ظل هذا التضييق الشديد والتلبيس العتيد .
إن ثغور الإسلام ليست فقط في ساحات القتال وفي المعارك بل إن الدعوة باللسان لا تقل أهمية عن الجهاد بالسنان وهؤلاء يدعون نصرة الجهاد ولو كانوا صادقين في دعواهم بأنه لا مكان لأحد إلا أن يكون في ثغور الجهاد لما رأيناهم في مواقع التواصل الاجتماعي فهم أولى بذلك من غيرهم.
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة 122
وكم من صحابي وعالم وفاضل لايعرف له مكان في الجهاد مع بلائه الحسن في غير ذلك من مجالات والإيمان شعب كثيرة فياسعد من استكملها .
هؤلاء العاطلون البطالون بطريقتهم هذه ينفون أن يكون في الأمة علماء ودعاة وأفاضل يدعون إلى الله وسواء قصدوا أم لم يقصدوا فإنهم يهدمون الإسلام بالكلية، فما هذا الدين الذي لا علماء له ولا دعاة إلا المجاهيل والجهلة على فيسبوك وتويتر.
المتفكر في نتائج وثمار دعوة هؤلاء يدرك المصيبة التي وقعوا فيها، فدعوتهم قائمة على إخراج المسلمين من الإسلام بأوهى الأسباب، ولا يمكن لدعوة كهذه أن تقنع كافرا واحدًا بالدخول في الإسلام بل تزيده بغضا وعداوة للإسلام، بل دعوتهم تنفر المسلم نفسه، ولذلك لن تجد لهم أي اهتمام بدعوة غير المسلمين، بل والله أحيانا يسخرون من نشر أخبار دخول الناس في الإسلام ويصفونهم بالغثاء، ويكفرون من كان سببًا في ذلك بسبب وقوعه في بعض الأخطاء والزلات بتأويل أو حتى عن عمد.
يتمنون البلاء والعنت للمسلمين بل يتمنون تغلب عدوهم عليهم لإثبات صحة وجهة نظرهم في بعض الجماعات والفصائل التي هم في الحقيقة يخالفونها ويخذلونها بقعودهم حتى لو كان ذلك على حساب الضعفاء والمساكين، ومن لم يشمت منهم بشكل مباشر في مصاب المسلمين تفضحه السطور والكلمات وتكشف باطنه.
ومن صفاتهم الظاهرة عقد الولاء والبراء على تكفير الأعيان الذين ينتسبون للإسلام، وهذه مهنة التافهين الفارغين صغار العقول.
لو أن هؤلاء القوم اعتقدوا ما يريدون دون حمل الناس على ذلك ومطاردتهم وتصنيفهم لقلنا هم أحرار فيما يعتقدون ، لكن وصل الأمر ببعضهم أن كفر كل من لا يقول بقوله في فلان !
نعم ربما من حقك أن تكفر فلانا إذا كانت لديك أدلة على ذلك وتحققت فيه الشروط والموانع وتتبعت طريق العلماء في ذلك إن كنت أهلا ، ولكن البدعة والحماقة التي أعيت من يداويها أن تحمل الناس على تكفيره بعد ذلك وتكفرهم إذا لم يلتزموا قولك وهذا من الغلو الذي فاق الخوارج بسنوات ضوئية كما عبرنا .
لقد اختلف العلماء على مر التاريخ في تكفير شخصيات كثيرة ولم يتنازعوا أو يكفر بعضهم بعضا ولم يقل أحدهم بأن الذي لم يكفر فلانا قد فسدت عقيدته كما يزعم أطفال وصبيان الفيسبوك وتويتر.
ابن عربي الصوفي الحلولي كفره جمع من علماء أهل السنة، ولكن العجيب أنهم لم يكفروا من توقف في كفره أو حتى نفى عنه الكفر كالإمام السيوطي الذي ألف رسالة بعنوان “تنبيه الغبّي في تبرئة ابن عربي” يرد فيها على من يكفر ابن عربي فهل كفره العلماء؟ وقد أفردنا ذلك برسالة خاصة أسميناها منهج العلماء العملي في كفريات ابن عربي .
لقد اختلف العلماء في كفر الحجاج ولم نسمع بينهم نزاعا وشقاقا وإشغالا للأمة كما يفعل فقهاء البامبرز أطفال الفيسبوك وإن كان لبعضهم لحى!
وكل هذا لا يمنع النصح والإرشاد دون تكفير أو تفسيق أو تبديع للمسلمين بل والحرص على سلامة الصدور والمودة فيما بينهم ثم تسليط السهام على أعداء الإسلام الذين نتفق جميعا عليهم ولا نشك في عدواتهم الصريحة للإسلام والمسلمين.
الخلاصة هؤلاء أخطر على الإسلام من كل الفرق الضالة بل من الكفار أنفسهم فهم يحملون شعارات براقة تغري السفهاء والجهلاء وصغار السن من أمثالهم وانظر لمن في صفهم فلن تجد إلا سوء الظن والسب والشتم والتكفير ومطاردة الصالحين في منشوراتهم للطعن في أشخاصهم حتى لو كانوا ينشرون الخير للناس ولا يتعرضون لهم.
أسأل الله أن يقطع دابرهم وأن يكسر قرنهم كما كسر قرن أشباههم من قبلهم وأن يريح الأمة منهم ومن شرهم.
الشيخ الدكتور محمد بن رزق بن طرهوني