قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
وقال أيضا: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
توقعت بأن وفاة الدكتور محمد مرسي -رحمه الله- ستكون بداية لمرحلة جديدة من محاولة جمع الكلمة ووحدة الصف والاعتراف بالأخطاء من كل الأطراف وضرورة العمل معا لمواجهة عدونا الحقيقي!
نعم أعلم في داخلي بأن هذه مبالغة في التفاؤل لكن ذلك لم يمنعني من التفكير في هذا الأمر.
وبالفعل وقع ما لم يكن في الحسبان حيث أن وفاته كانت سببا في مزيد من الخلاف والنزاع والغلو حيث رأينا من يغلو فيه ويرفعه إلى درجة الأنبياء، ورأينا على الطرف الآخر من يغلو في ذمه وتكفيره، وبين هؤلاء تضيع أصوات العقلاء!
طبعا لا أتحدث هنا عن أنصار وأعوان المجرمين ومنهم المرجئة الفاسقين والعلمانيين الحاقدين، وإنما كلامي لهؤلاء الذين يعارضون أنظمة الطغيان بحق ويريدون إعلاء كلمة الله وتطبيق شريعته، مع التأكيد بأن كلامي الآتي يستثنى منه من كان معتدلا في نقده أو تأييده وبنى اجتهاده بناء على أدلة شرعية لا نريد منه أن يقدمها لنا في الدنيا بل يعرضها في الآخرة ويبرر بها وجهة نظره.
بكل أسف خرجت كتائب الحسبة على مواقع التواصل الاجتماعي تحاكم الناس وتهاجمهم وتسبهم فمثلا الطرف الأول تولى بدعة امتحان الناس في الترحم على مرسي ومن لم يفعل شتموه وسبوه واتهموه بأبشع التهم، وحتى إن ترحم عليه بطريقة لا تعجبهم هاجموه واتهموه أيضا حتى يقول ما يريدون!
وأما كتائب الحسبة من الطرف الثاني فكانت تهاجم الناس وتسبهم لأنهم يترحمون على مرسي، ووصل بأحدهم أن كفرني لأنني فعلت ذلك، وأما أقلهم شدة -جزاه الله خيرا- اكتفى باتهامي بالإرجاء والبدعة ولم يكفرني!
الطرف الأول بدلا من أن يصب جام غضبه على السيسي ونظامه ويسعى إلى تحريك الناس ضده والانشغال به، انشغل بهؤلاء المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، بل ثبت لاحقا وقوع سوء الظن كما حدث مع الدكتور إياد قنيبي الذي ترحم على مرسي من اللحظات الأولى وكتب منشورا ينصح فيه للأمة، فهاج القوم عليه كيف لا يكتب مرسي رحمه الله، على الرغم من ثبوت ترحمه مسبقا!
وأما الطرف الثاني فقد ترك معارك الأمة وتنكيل أمة الصليب بالمسلمين وانشغل بجمع أدلة تكفير مرسي واجتهد في نشرها هنا وهناك في الصفحات والتعليقات والرسائل بالفيديوهات والصوتيات..إلخ.
وهذا حتى لو اعتبرناه رأيا سائغا فإنه يؤكد الفراغ الذي وصل إليه القوم خصوصا أن بعضهم يعيش تحت حكم الطاغوت ولا يجرؤ على بيان حاله وهو في محاربة دين الله أشد من الصليبيين، بخلاف مرسي الذي لم يكمل عاما في الحكم وحتى هذا العام كان عبارة عن اضطرابات ومظاهرات ومؤامرات وتفاهمات وضغوط وخفايا لا يعلمها إلا الله وهذا لا يعني أن نبرر الأخطاء ولكن نصف الواقع.
إن الترحم على الدكتور محمد مرسي لا يعني بالضرورة إقرار الأخطاء التي وقع فيها أو وقعت فيها جماعته، بل أكثر من ٩٠٪ ممن أعرفهم ترحموا على مرسي وهم يختلفون معه بالكلية وربما هاجموه كثيرا أثناء حكمه وبعد عزله لكنهم بعد وفاته أنصفوه وترحموا عليه فقد مات على أيدي شرطة ومخابرات الصهيوني عبد الفتاح السيسي الذي ثبتت عدواته لكل المسلمين.
ومن المفارقات العجيبة أن السيسي يقتل الإخوان وخصوم الإخوان على حد سواء في الوقت الذي يتنازعون فيه فيما بينهم!
لقد توقعت أن صدمة وفاة مرسي ربما تفتح قلوب البعض وتؤسس لمرحلة جديدة من المراجعات لكل الأطراف ومحاولة تنقية الصفوف وتبيان الحق، لكن ما رأيته هو الغلو من كل الأطراف سواء المؤيد له الذي لا يريد أن يعترف بالأخطاء الجسيمة التي وقعت، أو المعارض الذي يرى أن ما وقع فيه مرسي لا مخرج منه إلا أن يطرح في نار جهنم والعياذ بالله!
وأما أنا فلا أجزم له بجنة ولا نار بل أدعو الله أن يغفر له وأن يتجاوز عن سيئاته وأن يكون آخر عهده في السجن توبة صادقة ومراجعة لما فات من أخطاء فقد مكث الرجل في سجنه الانفرادي ٦ سنوات كاملة نسأل الله أن يجعلها كفارة للسيئات ورفعة للدرجات.
ووفقا للأوضاع الحالية فإنه عند وفاة أقرب قيادة جهادية سوف ترى منشورات التشفي والشماتة بدعوى أن هؤلاء شمتوا في موت مرسي، مع التأكيد أن جماعة الإخوان المسلمين أيضا قد فرحت بموت بعض المجاهدين سابقا وربما شاركت في قتلهم وإذا استمرت هذه الدائرة المفرغة بهذه الصورة فلن تنتهي دوامة الشماتة والفرقة ولن ننتصر لأن تفرقنا هذا هو أحد أسباب تسلط عدونا علينا.
العدو معلوم للجميع ولكن لا أدري لماذا يحاول البعض تفريغ شحنات غضبهم على إخوانهم وربما ذلك بسبب عجزهم عن مواجهة العدو الحقيقي فيبحثون عن الحلقة الأضعف والله أعلم.
لا أدري كيف أكمل هذا المقال وهل بعد الذي قيل يمكن الدعوة إلى رص الصفوف والاجتماع على كلمة واحدة أم لا؟!
حقيقة الوضع لا يبشر بالخير ولا حتى أدنى درجات التفاؤل لذلك أوجه نصيحة أنهي بها مقالي لعل الله ينفع بها.
نصيحتي للجميع بتقوى الله ومراجعة الأخطاء والعمل على وحدة الصف والاعتصام بحبل الله بعد تنقية الصفوف من الغلاة الذين يغلقون كل أبواب اجتماع كلمة المسلمين، ومن المنافقين الذين يصرون على الدوران في فلك المجتمع الدولي والأنظمة الطاغوتية التي كانت سكينا حادة ذبحتنا جميعا دون استثناء.
وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم
كتبه مصطفى الشرقاوي