بخصوص مسلسل “التجريس” بين اثنين من مشاهير الملحدين في مصر (بنت وطليقها)، والفضائح المقززة التي اتهما بها بعض .. أحب أذكر الملاحظات الآتية (واعذروني على الإطالة مع رجاء القراءة للنهاية):
— فكرة أن هذه القصة تُمثل قضية إنسانية بحتة، ولا يجب أن نناقشها من خلال دائرة الدين / الإلحاد، أو نستدل بها على نتائج مرتبطة بالدين أو الإلحاد؛ هي فكرة غير أخلاقية فضلًا عن أنها غير دينية بالأساس، لأن كل قضية أو ظاهرة مرتبطة بالبشر هي إنسانية بالضرورة، بغض النظر عن قبولنا لها أو رفضنا، وبغض النظر عن نتائجها المأساوية أو العاطفية بالنسبة لإنسان ما أو مجموعة ما، الكفر ذاته والقتل والشذوذ الجنسي .. الخ، قضايا إنسانية من وجهة نظر ما!
إذا كل هذه الفضائح التي ذكرتها البنت (وقد فضحت نفسها قبل أن تفضح طليقها) كُتبت على الملأ، فاستهجانها والتقزز منها واجب أيضًا على الملأ؛ أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، ومن استهجانها عزوها لأسبابها الحقيقية وتحذير الناس منها.
المكتوب ما هو إلا نتائج فقط، والمقدمات “الإلحاد” و “الارتباط بمجتمعه” و “تطبيع العلاقات معه”؛ هي قصة هذا النزاع بين البنت وطليقها، وفكرته الكلية، الفكرة ليست في الإجهاض والإدمان وضرب الزوجة والخيانة والكذب والدناءة والانحطاط، إنما في المنظومة التي تنتج كل ذلك، والبيئة المحفزة لكل ذلك!
وهذا ما نحن بصدده.
— هذه البنت وطليقها ويمكن أن نقول المستنقع الذي هما بعض أفراده؛ يرون أنفسهم – وللأسف جماهير لهم وحولهم – صفوة المجتمع ونخبته المثقفة غير الرجعية، مع كل هذا الانحطاط في السلوك والسذاجة و “العبط” في إدارة حياتهم .. في حين أن أعصى الموحدين لن يجرؤ على مثل هذا الإدعاء إذا تلبس بأي من هذه البلايا .. فنحن ببساطة نحاكمهم الآن لنخبويتهم وعقلانيتهم وتحضرهم ورقيهم في الانحطاط والقذارة!
— المسلمون أيضًا يقعون في بعض هذه السلوكيات، طبعًا لا ننكر ذلك، لكن من يقع في مثل هذه السلوكيات إنما نتيجة عدم مراعاة الدين والالتزام به بالأساس، وهذا هو جوهر المشكلة مع الدين، وبمفهوم المخالفة؛ فالمسايرة الصحيحة للدين تقتضي عدم الوقوع في مثل تلك الأمور في مجتمع المتدينين، فقطعًا دائرة الدين لا تتضمن هذه السلوكيات ولا تشجع عليها بل وتحاربها وتسد كل ذريعة لها (وهو ما لا تتضمنه دائرة الإلحاد بحال من الأحوال)، بل منظومة الدين تفترض أن الوقوع فيه هذه السلوكيات بعيد عن الدين، فالعلاقة علاقة تضاد .. وهو ما لا يوجد في مجتمع الملحدين.
مجتمع الإلحاد في كل أحواله وظروفه قابل لإدخال أي سلوك منحرف بالضرورة، لسبب وجيه جدًا أن دائرة الأخلاق المجردة إنما ترتبط ببعضها وترتبط بقيمة فوقية عليا هي “الألوهية”، التي تفرض هذه الأخلاق وترسم حدودها وهي مرتبطة ببعضها ومبنية على بعضها، مثلًا شرب الخمر في المجتمع المسلم (بالمفهوم المعياري وليس الواقعي)؛ممنوع، وهذا في ذاته يقطع الطريق على وجود حالة السكر من أساسها، وما يترتب عليها من جرائم وانحرافات، وبالعكس في مجتمع الإلحاد (بمفاهيمه الليبرالية المعيارية أيضًا، وبحكم ما هو مشاهد في الأغلبية الظاهرة لا القليل الشاذ)؛ الأمر خاضع للحرية الشخصية، والنتيجة تصور وقوع الانحراف والجريمة داخل المنظومة، وهذا مجرد مثل بسيط بل يمكن أن نعتبره مثالًا سطحيًا لكنه لعله يناسب المقام هنا لتبيين المقصود، وهكذافي الزنا واللواط والانتحار .. الخ.
— هذا التطور الهائل السريع في الانحرافات التي ذكرتها البنت ورد بها الطليق، وهما يحكيان (باختصار بطبيعة الحال إذ يختصران سنوات في سطور، ويخفيان ما الله به عليم)، هذه القصص، لم تحدث من فراغ، بل شجعت عليها المنطومة المجتمعية لها ولطليقها (بيئة الإلحاد)، فلا يوجد في نظرهما مطلع عليهما يحاسبهما إذا اتفقا على شيء غير أخلاقي، ولا يوجد حساب أخروي، ولا يوجد رقابة قانونية في ظل اتفاق إرادتهما، بل الرقابة القانونية لا تغني أصلًا لأنها تقدس حريات الأفراد ولو كانت أفعالهم غير أخلاقية (مثال واضح؛ الزنا)!
أما في المجتمع الإسلامي؛ فالرقابة فوق الزوجة، وفوق الزوج، وفوق القانون، وفوق المجتمع كله، وهي الرقابة الإلهية، الإيمان بوجود إله وحساب في ذاته مانع ذاتي من الوقوع في الانحراف ولو اتفق عليه الأفراد بل ولو اتفق عليه المجتمع كله وأحله القانون، ولذلك يوجد في المنظومة مفردات “التوبة”، “اللوم”، “تأنيب الضمير”، وكلها تقنيات تضمن حد أدنى من الأمن الاجتماعي للمجتمع.
— يمكن أن نتفق – كما قلت – على أن عدم احترام الدين قد يسبب الوقوع في هذه السلوكيات وأعنف منها، لكن ما لا يمكن الاتفاق عليه قطعًا؛ أن الفهم الخاطئ للدين يؤدي إلى ذلك، فأي مشكلة في الفهم قد تجعل مسلم يرتكب كل تلك القاذورات؟! إلا إذا كان ليس لديه عقل أصلًا، أو يعلم علمًا يقينيًا أنه حين يرتكبها هو ينتهك الدين أساسًا، وقد يوفق في التوبة أو لا، المهم أنه لا يستحلها بموجب فهم خاطئ، إنما بموجب المعصية .. بمعنى آخر؛ في أشياء متصور فيها الفهم الخاطئ للدين، في دائرة التعبد، في دائرة المعاملات، لكن في منظومة الأخلاق؟! هذا من المستحيلات.
— عزو الفضائح التي ذكرتها البنت لطليقها، للخلفية الدينية في التنشئة، والعقدة الدينية، والتاريخ السلفي .. إلى آخر هذه الترهات، كلام فاضي، وهل البنت أيضًا خلفيتها دينية ومعقدة، فما يخصها في الانحطاط في كلامها وكلام طليقها لا يقل عما يخص الأخير، زبالات بعضها فوق بعض .. والمفترض أن من ترك ضيق السلفية لرحابة الإلحاد، بل تَصدر فيه حتى صار علمًا، أن يؤثر ذلك في سلوكه، فيتغير نحو الأفضل، باعتبار ما آل إليه! ومع ذلك الوضع كما نرى، واضح أنه فقط عندما تحول انفجرت طاقته الانحطاطية ليس أكثر، فأقل ما يقل أن التغير هو الذي فجرها.
وصراحةً أي ملحد مع كم الكشف الكبير لهذه الفضائح وانتشارها؛ متوقع “تخبيطه” في الماضي السلفي للطليق أو أي شيء له علاقة بتنشئة دينية، باختصار “حدف جتت” و”رمي بلاوي” طبيعي، هذا كله بفرض أن المذكور له ماضي سلفي أو ديني أصلًا.
محمد وفيق زين العابدين
https://www.facebook.com/wafik78/posts/2183519845036253