للأسف المؤلم أننا نعيش في زمن يتعصب المتحزب لحزبه أكثر من تحزبه للكتاب والسّنة..ويجعل من النصوص وسيلة لتحقيق أهدافه وغاياته..
فمثلاً:
حينما يريد أحد المتحزّبين أن يأتي بك إلى حزبه،يستخدم معك النصوص النبوية،ويُطوّعها لمصلحة الحزب والجماعة دون سواهم..فيستدل لك على وجوب مبايعتهم بقول نبينا:
” وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ».
ويزعم أن البيعة المقصودة في الحديث إنما هي لشيخه ورئيسه وحزبه وجماعته..
وهذا كذب وافتراء منهم..
ولما كانت الساحة الإسلامية تضم أحزاباً مختلفة ومتضاربة ومتناقضة..
فأي حزب هو المراد بالحديث..؟؟ إن هذا التفرّق والتحزب والتناحر فيما بين هذه الجماعات لهو من خُلُق الجاهلية التي كانت متناحرة ومتقاتلة..
والبيعة: هي عهد يعطيه الناس للإمام الأكبر،وخليفة المسلمين على السمع والطاعة. وقد قال نبينا: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ “.
فالسمع والطاعة للحاكم الأعلى وهو الخليفة،وليست لأمير حزب،أو مجموعة،أو تنظيم،أو جمعية،أو هيئة..
وأذكر مرة أني كنتُ أحاور أحد مشايخ إحدى هذه المجموعات،فقال لي:
البيعة للجماعة واجب شرعي عينيّ على الذكر والأنثى..
قلت له: هذه البيعة الواجبة إنما هي للخليفة الذي يجمع الأمة وليس لأمين عام حزبك،الذي لا قدرة له على نصر نفسه وحمايتها..
فاستدل لي بقوله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا..) وأخذ وجوب البيعة على النساء من هذه الآية..
فقلت له: هذه بيعة على الإسلام والالتزام بأحكامه بدليل قوله تعالى: يبايعنك على ألا يشركن بالله..فهل أنتم تأخذون البيعة على التوحيد،أم على السمع والطاعة لكبيركم.؟؟
حتى أن البيعة للخليفة لم تكن واجبة على النساء..
وحتى أنها لا تجب على كل فرد من أفراد المسلمين..بل هي لأهل الحلّ والعقد..
ثم تكون البيعة العامة بالسمع والطاعة،وليس بأن يضع كل مسلم يده في يد الخليفة ويبايعه.فإن هذا لم يحصل لأي خليفة في التاريخ الإسلامي..
أما قول نبينا: مات ميتة جاهلية:
يعني إذا لم يكن له إمام يسمع له ويطيع في طاعة الله،فإنه سيموت كما يموت الجاهلي على الفوضى والتفرّق؛حيث لم يكن في الجاهلية إمام يجمعهم كما أن الخليفة يجمع المسلمين،وليس معناه أنه يموت كافراً..
هذا مع وجود إمام أكبر،وتخلّف المسلم عن مبايعته والانضمام إليه..
أما إذا لم يكن هذا الإمام موجوداً،فلا تجب البيعة لأحد كائناً من كان..
– والخلاصة: كل حزب بما لديهم فرحون..
د. خالد عبدالقادر