ها نحن نتابع، بين الحين والآخر، انتكاسة أحد أصحاب القنوات الشهيرة، وهجومه على ثوابت الدين بلا هوادة. وكأن الطعنة لا تأتي إلا ممن نظن أنهم من أقوى المدافعين. وبدافع الشعور بالمسؤولية، قررت كتابة هذه الأسطر لتنبيه الناس، ولعلها تكون سبيلاً لفهم أسباب هذا الضلال المتكرر.
يظن البعض أن أصحاب قنوات اليوتيوب والحسابات الشهيرة في مواقع التواصل الاجتماعي محصنون من الفتن والمساومات. يُخيل إليهم أن هؤلاء لا يتعرضون للضغوطات أو الابتزاز، خاصة أولئك الذين يعيشون بعيداً عن أعين الجهات المعادية للإسلام. ولكن الواقع يقول غير ذلك. كل صاحب شهرة وجمهور واسع يُبتلى بفتن لا يعلمها إلا الله، فإما أن يُدفع إلى تغيير مساره، أو يُستغل لتوجيه جمهوره نحو قضايا معينة، أو يُستخدم كأداة لجهات مشبوهة.
هؤلاء “الصيادون” يعرفون كيف يقتنصون فرائسهم. وفي إحدى المواقف، وهذه من الكواليس التي أكشفها لأول مرة، تواصل معي أحدهم محاولاً مساومتي بطرق مختلفة. وبعد أن أدرك استحالة التأثير علي، قال لي بوقاحة: “كم ثمنك؟ سنشتريك!” نعم، هذا جزء صغير من تلك المساومات التي تحدث في الخفاء.
والأمر لا يتوقف عند المساومات المالية، بل يتجاوز إلى الفتن المتعلقة بالنساء، العائلة، والكثير من الإغراءات. لذا، عندما ترى شخصاً قد سقط في هذا المستنقع، فعليك أن تشكر الله على العافية. لكن في الوقت ذاته، لا تدع العطف يشغلك عن التحذير منهم والبغض الشرعي الذي يستحقونه.
أتذكر حواراً جرى بيني وبين صديق لي حول شخصية مشهورة، وقعت في هذا الفخ وأصبحت موالية للطواغيت. سألني صديقي: “ما الذي يدفعه إلى هذا؟ أليس هو غني وشهير؟” فقلت له: “لقد استشرف الفتنة بنفسه، واقترب من السلاطين ففتن. ولو كنت في موضعه وعرضت عليك ملايين الدولارات، لربما تخلَّيت عن مبادئك أيضاً!”
أقول هذا ليس تبريراً لمن ضلَّ من أصحاب القنوات، بل للتنبيه على حقيقة أن بعضهم لا يسقط بحثاً عن الحق، بل لأنه قد يكون جُند من جهة ما، وكلما كبرت القناة زادت الإغراءات. فإعلانات اليوتيوب ودعم المتابعين لا يُغني كثيراً إذا كان الطموح أكبر من مجرد العيش البسيط. فالطموح قد يكون في منزل فاخر، سيارة باهظة، ورصيد في البنك، ومع هذه الإغراءات تتحطم القيم.
نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
مصطفى الشرقاوي