في هذه السنوات العصيبة، نعيش ما يمكن وصفه بحق بأنها “سنوات التمحيص الحقيقية.”
زمن تكثر فيه الفتن، تتهاوى فيه القدوات، وتنتشر الشهوات والشبهات.
إن هذه المرحلة التي نمر بها تشهد تداخلًا غير مسبوق بين اللذات التي تستهدف الغرائز، والابتلاءات الشديدة التي تختبر الإيمان، والحرب الفكرية التي تسعى إلى طمس معالم الحق.
كيف لنا ألا نراها مرحلة تمحيص حقيقية، وقد اجتمع فيها تصدر السفهاء والجهلاء على المنابر، واختفاء العلماء والحكماء الذين كانوا يمسكون بزمام الفتوى والإرشاد وقيادة الأمة؟
إن ما يعيشه الجيل الحالي من اختبار، هو بلا شك من أشد الاختبارات التي يمكن أن يمر بها الإنسان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تَكونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ الرَّجلُ فيها مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، ويُمسي مُؤمِنًا ويُصبِحُ كافِرًا.” ففي هذا الحديث الشريف تنبيهٌ واضح إلى تقلب الحال في زمن الفتن، وكيف يمكن للمرء أن يفقد بوصلته في خضم تلك الظلمات المتراكمة، وقد رأينا أمثلة حية على بعض الذين كانوا فضلاء كيف سقطوا في الفتنة!
إن الفتن التي نواجهها اليوم، ليست مجرد فتن سطحية أو معارك فكرية بين المسلمين مثل التي ظهرت في القرون الأولى، بل هي متعددة الوجوه، تبدأ بالشبهات الفكرية التي تخلخل العقيدة وتشكك المرء في دينه.
لقد انتشر الشذوذ الفكري وتطاول الألسنة على ثوابت الدين، وانغمست المجتمعات في الملذات التي تصرفهم عن ذكر الله، كل ذلك يشكل تحديًا إيمانيًا غير مسبوق للأجيال الحالية والقادمة.
كيف لا يكون هذا زمان التمحيص، والحرب على الإسلام باتت مكشوفة وواضحة؟ لقد تكالبت الأمم على هذه الأمة، وسعت بكل ما أوتيت من قوة إلى تغييب صوت الإسلام وتشويه صورته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يُوشِكُ أَن تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا.”
لكن لعل هذا التمحيص، رغم شدته وصعوبة النجاة منه، هو السبيل لإحياء الأمة من جديد، فهو اختبار لإخراج المعادن النفيسة من بين ركام الفتن.
نسأل الله أن يهدينا إلى الحق ويثبتنا عليه، فإن الفتن تكاثرت علينا واشتدت، ولا ملاذ لنا إلا بالرجوع إلى الله والتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ففيهما النجاة من هذا البحر الهائج من الابتلاءات والفتن.
مصطفى الشرقاوي