هذه بضاعتكم ردت إليكم!
عبد الكريم الكثيري يكفر محمد شمس الدين!
بين الحدادية المنضبطة والحدادية المتناقضة!
لقد رأينا كيف بدأ الأمر بمحمد شمس الدين، الذي تجرأ على تكفير الإمام السيوطي وزعم أن الله لن يغفر له وقد أنكر عليها العلماء والدعاة ولم يرجع عن قوله وتمسك به إلى أبعد حد.
الآن، خرجت من بين هذه الطائفة الحدادية طبقة جديدة، أكثر غلوًا، وأشدّ ضلالاً، على رأسها عبد الكريم الكثيري، الذي كفّر حتى محمد شمس الدين بنفس الطريقة
أي مفارقة هذه؟! أصبح شمس الدين، الذي كان غاليًا في نظر العقلاء، “مفرطًا” في عيون هؤلاء، لا لشيء سوى أنه استغفر لمن أنكر العلو وهذا يكشف لكم التلون الكبير في منهجه وتناقضه مع أصوله التي لا يلتزمها!
إننا الآن نقف أمام مشهد خطير لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لمنهج الحدادية في التكفير.
هذا المنهج لا يقف عند حدٍّ، بل يقود أتباعه إلى طريق مسدود مليء بالصراع والانقسامات. وكما رأينا، فإن مثل هذه الخلافات، التي لا تنفك تتوسع بين رموزهم أنفسهم، تترك آثاراً مدمرة على عقول أتباعهم، وتخلق حالة من الاضطراب العقائدي والحيرة الفكرية التي يصعب الخروج منها.
عبد الكريم الكثيري، بغلوه وضلاله، قد تعدّى الجميع، فعنده التكفير لا يقف عند الإمام السيوطي، بل يمتد ليشمل كل من وقع في شبهة أو التباس إلى أن وصل إلى محمد شمس الدين!
أيها العقلاء، هذا ما حذرنا منه مرارًا وتكرارًا؛ إنه الغلو في التكفير، وإخراج الناس من الملة بغير حق، وجعل هذه الأحكام الجسيمة في متناول كل من هب ودب.
الكثيري في تكفيره لابن شمس متمسك بإطلاقات السلف وكلامهم المجمل الذي ورد فيمن لم يكفّر الجهمية، وطبعًا على هذا الأساس إذا اعترض محمد شمس الدين على تكفير الكثيري له فكأنما يرد على السلف أنفسهم وينكر الآثار!
لكن يجب أن نفهم أن كلام السلف جاء في سياق محدد، وعمومًا كان يتعلق بالمقالات والعقائد لا بالأشخاص بأعيانهم. وهنا يظهر خطأ الحدادية، حيث بالغوا في تطبيق تلك الإطلاقات حتى على الأفراد دون التمييز بين المقالة والشخص، كما أشار ابن تيمية حين قال: “وأصابهم من ألفاظ العموم ما أصاب الأولين” مشيرًا إلى الخوارج، الذين ظنوا أن كل من قال مقالة معينة يقع تحت حكم التكفير دون استثناء.
لقد أصبح هذا الواقع المرير حقيقة مؤلمة على أيدي الفرقة الحدادية التي أسرف أتباعها في إطلاق الأحكام، غير مبالين بالعواقب الوخيمة التي ستصيب الأمة الإسلامية.
وكأن التكفير أصبح لعبةً رياضية، تُحسب فيها النقاط والنتائج!
فمحمد شمس الدين يكفر السيوطي، والكثيري يكفر شمس الدين، والخليفي يكفر الإمام النووي، وغلمان الحدادية لا يتوانون عن تكفير الإمام أبي حنيفة… والقائمة لا تنتهي، والحبل على الجرار.
إلى متى ستستمر هذه السلسلة الشنيعة؟ إني أخاطب العقلاء بهذا الكلام، أحذركم من هذه البدعة التي لا حدود لها، ولا سقف يردعها.
هذه الأمور تكشف لنا فساد أصول الحدادية التي أفرزت لنا شخصيات متقلبة مثل محمد شمس الدين، الذي يتلون في مواقفه بحسب ما يقتضي الموقف وكذلك الخليفي بدرجة أقل، بعكس الكثيري المنضبط على نهج الحدادية الضال.
ولا يعني هذا بالضرورة أن شمس الدين أو الخليفي في حال أفضل من الكثيري، بل الواقع أنهم جميعًا على الضلال وأصولهم فاسدة، لكن الكثيري على الأقل، يجاهر بأفكاره وينسجم مع أصوله، والفرق الوحيد أن شمس الدين والخليفي ودمشقية يخفون مواقفهم الحقيقية، في حين أن الكثيري يظهر ضلاله بلا مواربة.
الخلاصة: إن استمررنا على هذا المنوال، سنصل إلى حالة من الفوضى حيث لا يوجد سوى التكفير والتفسيق والتبديع.
إن الأفكار التي تبنى على التكفير والتفسيق والتبديع بلا علم ولا بصيرة لا يمكن أن تكون سببًا في بناء مجتمع إيماني قوي، بل تؤدي إلى انتكاسات متتالية، ينتقل فيها الأتباع من حالة التطرف إلى حالة الشك، ومن ثم إلى التفريط والتهاون في الدين. إن هذه المآلات مدمرة، ولن تقف آثارها عند حدود هؤلاء الغلاة، بل ستنتشر بين أبناء الأمة لتضعف بنيانها وتشتت صفوفها.
نعوذ بالله من هذا الضلال ومن كل من يروج له.
مصطفى الشرقاوي