كُلُّ مَن يَضَع بينك وبين علماء الإسلام المشهود لهم بالديانة والأمانة حواجِز وعراقيل تَنفيرًا عنهم، بدعوى خلاف مذهبي عقدي أو فقهي: فاعلَم أنَّه مُستَبِدٌّ أو قاطع طريق، بقَصد أو بغَير قصد، يُريد أن يُمارِس دور الوصاية والتسلط على عقلك وفهمك، فلا تَعبَأ به، فإن كانت زلة أو زلتين فمَشِّها، وإن كان ذلك دَيدَنُه فَفِرَّ عنه فرارك مِن المَجذوم، فإنَّ حصيلتك مِنه بعد سنوات أن تَخرج بقلب مُشَوَّهٍ مملوء بالغلِّ لإخوانك الذين سبقوك بالإيمان أو رافقوك.
علماء الإسلام جميعا هم علماؤنا، لا ابن تيمية وأشباهه مملوك للسلفيين، ولا النووي وأشباهه مملوك للأشاعرة، ولا الزمخشري وأشباهه مملوك للمعتزلة، بل هم جميعا لنا جميعا نَحن المسلمين، ننتفع بتراثهم، وننهل من علومهم، ونستفيد من تعقب بعضهم على بعض، ونقد بعضهم بعضا، ونَستخلص الحقيقة التي نطمئن إليها مِن وسط ذلك كله فندين بها، ثُم نترضى عن الكل، ونترحم على الكل.
مَنازِل العلماء ومقاماتهم لدينا في أحكام الظاهر نَعرفُها بما حوَته تراجمهم التي دَوَّنَها لنا أهل العلم والعدل، وبمَا تركه لنا هؤلاء العلماء من تراث، فمَن وجدناه تَرك لنا ما يَدُل على علمِه، ووجدنا تَرجمتَه دالَّة على ديانته وصدقه: فحسبُنا هذا مِنه لنُحسِن به الظنون، وأما أخطاؤه التي تظهر لنا فنرجوا له فيها الثواب من الله إن كان قالَها باجتهاد، ونرجو له فيها العفو والمغفرة إن كانت ذنبا وتَقصيرًا، ونتفرغ من بعدُ للعلم النافع والعمل الصالح، بدل استهلاك الجهود في مصارعة العلماء، تاركين أهل الزيغ والزندقة والإفساد الحقيقيين الذين ظهرت في الواقع آثارهم، وانبسط على كوكب الأرض سلطانهم.
القاسم الأزهري