في ظني أن فكرة الترحم مطلقا على أي إنسان من أجل أنه إنسان وبغض النظر عن دينه ، دون أن يكون لذلك ضوابط وحدود ما : فكرة خيالية ولا يوجد قط من يلتزم بها على طول الخط مهما ادعى ذلك .
فقد تجد من يتكلم عن رحمة الله التي وسعت كل شيء ، وعن أن الإسلام دين الرحمة ، وأن الجنة بيد الله لا بيد البشر وأن ربك رب قلوب والمهم الأخلاق ، وأنك لا تدري على ماذا مات فلان وكيف ختم له ، ووو……إلخ
ثم إذا جاء لميدان التطبيق العملي فسوف تجده يناقض ذلك حيث يترحم انتقائيا وبقواعد وضعها هو بنفسه تبعا لهواه ولمواقفه السياسية والفكرية والعاطفية ، مما يجعل ترحم الناس على وسائل التواصل جزءا من التعبير عن مكنون نفوسهم وأحكامهم على الميت أكثر من كونه التزاما بإنسانيتهم المدعاة .
وحاول مثلا أن تراقب موقف هذا الفريق عند موت مخالفه فكريا أو سياسيا أو عدو وطنه ونظام الحكم الذي يعيش فيه ، أو من سرق ماله وتسبب في ظلمه – حتى لو كان مسلما – ستجده ساكتا وربما شامتا شاتما معبرا عن فرحه وسروره، والأمثلة في الواقع أكثر من أن تذكر .
ويمكن أيضا أن تسأل هذا القائل بجواز الترحم على أهل الكتاب هكذا مطلقا : هل سيترحم مثلا على نتانياهو عند موته وهل ترحم من قبل على شارون وبيجين وموشي ديان وبن جوريون ، مع أنهم جميعا بشر وهم أهل كتاب لا فرق مؤثر في الحكم بينهم وبين النصارى ، وإذا كان المانع من الترحم أنهم قتلوا وشردوا المسلمين وفعلوا فيهم الأفاعيل فهذا لا يقيد رحمة الله الواسعة ، ومن أدرانا على ماذا ماتوا ، فربما تابوا ، ويمكن أيضا أن يكونوا أسلموا سرا ، ثم إن جرائمهم ضد المسلمين من القتل والتشريد على شناعتها مجرد كبائر وطالما كفرهم الأصلي لا يمنع من الترحم عليهم فهل يمنع منه المعاصي مهما عظمت ؟؟؟؟
سيقول ساعتها مستبشعا لوازم مذهبه : كلا أنا لا أترحم على هؤلاء المجرمين إنما أترحم فقط على من خدم البشرية أو دافع عن الحق ونصر المظلومين وخدم القضية الفلسطينية مثلا .
وهذا هو المقصود ، فأنت في نهاية المطاف وضعت ضابطا من عندك لمن تسوغ الترحم عليه ، ولم تجعل الإنسانية وحدها هي المعيار .
بينما نحن بحثنا عن الضابط الذي اعتبره الشرع في باب الترحم والاستغفار والصلاة على الميت فلم نجد إلا الإسلام .
د. أحمد قوشتي