دِينُكَ دِينُكَ.. لَحْمُكَ دَمُك
***
لماذا أنت تافهٌ إلى هذه الدرجة؟! حقيرٌ إلى هذه الدرجة؟! سَافلٌ إلى هذه الدرجة؟!
إن لم تكن تستطيع العيش دون تفاهة وحقارةٍ وسفالة؛ فلا بأس أن تأخذ من كل مستنقعٍ ما يكفيك في خاصة نفسك، ثم تضع حدوداً لنفسك حتى لا يظهر كل هذا العفن للناس!!
لماذا تُصرُّ في كلِّ مصيبة على استفزاز مشاعر المسلمين باستخدام مصطلحاتهم الشرعية في غير محلها.. حتى إذا انتفض المسلمون دفاعاً عن دينهم وعقيدتهم؛ جلستَ تولول كأسوأ ما خلق الله من النساء في أسوأ ما خلق الله من البيئات؛ لتُظهر المنتفضين في صورة (الأجلاف الذين لا يحترمون ما تسميه (جلال الموت)؟!!
ما هذه الوساخة؟!
وما الفائدة التي ستجنيها من ورائها؟!
أنت تعرف أن الناس لن تسكت على جعل الدين (حيطة مائلة) يتقافز فوقها كل قرد، ويتبول تحتها كل كلب.. فلماذا تُصر على استفزاز مشاعر الناس بهذه الطريقة المراهقة المنحطة؟!
صَحَفِيَّة نصرانية لها جهودٌ مُقدرة في إتقان عملها وإظهار جرائم الاحتلال في أرض الإسلام فلسطين؛ قتلها الاحتلال الصهيوني بدم بارد، كما يقتل- دورياً- عشرات ومئات المسلمين.. كان يفترض بك- وأنت البالغ كما يُظَنّ، العاقل كما يُظَنّ، المكلف كما يُظَنّ (وبعض الظن إثم)-؛ أن تحترم ما تسميه (جلال الموت)؛ فلا تُدخلَ الناسَ في دوامة القيل والقال، والردِّ والردِّ المضاد، وتكتفي بالحزن على قتلها، وإظهار التعاطف معها، وتعزية أهلها بالصبر والإخلاف وجبر الكسر، وتذكير الناس بشيء من أعمالها المقدرة- وهي كثيرة-.. ثم توجه سهام سفالتك وحقارتك إلى العدو الصهيوني؛ فتظهر بشاعته ووحشيته، وعدم احترامه لمطلق الإنسانية ابتداءً، ثم للصحافة والصحفيين انتهاءً..
لا بأس بكل هذا؛ بل هو واجب وجميلٌ ومُقَدَّر.. أَمَّا أن تُسميها (شهيدة) وهي نصرانية.. في الوقت الذي تعرف فيه أنَّ هذا سيستفز مشاعر المسلمين، وأنهم لن يسكتوا عن الافتئات على دينهم ومعتقدهم؛ فأقل ما يقال فيك أنك مراهقٌ تَافهٌ تريد أن تخالف الناس لِيَرَوْك، أو خسيسٌ سافل تريد أن توافق أناساً آخرين ليروك أيضاً؛ فتظهر أمامهم بصورة المنفتح المتحضر المُجدد.. وكلا الأمرين يدلان على قذارة نفسيتك، وشعورك المتأصل بالنقص والدونية، واستعدادك الدائم لبيع دينك وجعل ربك جل وعلا أهون الناظرين إليك!!
ماذا استفدتَ الآن؟!
نسي الناس وحشية الصهاينة لاعتيادهم على وحشيتهم أولاً، ثم لعِظَمِ افتئاتك على الإسلام ثانياً، وتَحَوَّلَ ما تسميه (جلال الموت) إلى حالة من التراشق بالشتائم، أو التنازع بين الأوباش أمثالك وبين المسلمين الذين يرفضون استغلال حالة الحزن والتعاطف لتمرير تدنيس الدين والافتئات على العقيدة!!
أنت- في الحقيقة- مجرم.. وقد ارتكبت ثلاث جرائم بكلمة واحدة: أجرمت في حق دينك- وهو الأهم- إن كنتَ تفهمه، وأجرمت في حق ما تسميه (جلال الموت) حين أنسيتَ الناسَ جلاله المفترض، وأجرمت في حق المغدورة نفسها حين حولت طاقة الغضب ضد القاتل إلى حالةِ تنازعٍ حول القتيل!!
وهكذا يفعل السفه بأهله.. هكذا يفعل حب الشهرة، والبحث عن الإغراب، والولع بالمخالفة، ومحاولة البقاء دائماً في دائرة الضوء.. ووالله ما استولت هذه الأنواع من الحب على إنسان؛ إلا وهو ذليلٌ في ذاته، ناقصٌ عند نفسه، ضئيل أمام عينه.. وما أبشع الشعور بالذل والنقص والضآلة.. وما أسوأ ما يأتي به أهل الذل والنقص والضآلة!!
***
ما الرابط بين إظهار الحزن على قَتْلِ بريئةٍ مُقدَّرةِ العملِ مشكورةِ الجهد، وبين إلصاق مصطلح (الشهادة) بها وهي نصرانية.. ومصطلح الشهادة مصطلح إسلامي لا يُطلق جزافاً حتى على قتلى المسلمين أنفسهم!!
أوَ مِن تمام التقدير لفقيدٍ تُحبه وتحترمه أن تجزم بمصيره في الآخرة فتدخله الجنة، أو ترفعه لدرجة الشهادة؟! هذا والله لا يجوز مع المسلمين أنفسهم فكيف بغيرهم من اليهود والنصارى؟!
***
لماذا تثار هذه الزوابع في كل حادثةٍ مماثلة؟!
لماذا تُصرون على إسقاط أحكام الدين في قلوب وعقول الناس.. حتى إذا انتفض الناس لدينهم وأحكامه؛ اتهمتموهم بقلة الذوق، أو انعدام أدب الوقت، أو الغلظة والجلافة، أو احتكار الجنة؟!
أيُّ غلظة وأيُّ جلافةٍ وأيُّ انعدام أدبٍ يا سَفَلَة؟!
(يخرب بيوتكم).. هذا دين.. هذا دين.. هذا دين!!
أعطونا شيئاً من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجعل النصراني أو اليهودي شهيداً وسنضعه فوق رؤوسنا ونرضخ لأمر الله وأمر رسوله!!
أنا والله أحب حاتم الطائي لكرمه، وأحب عنترة بن شداد لشجاعته، وأحب المطعم بن عدي لشهامته، وأحب عبد الله بن جدعان لإصلاحه بين الناس.. أحب أعمالهم التي عملوها في الجاهلية، وأقدرها وأراها مفخرة من مفاخر العرب.. كما يمكن أن أحب الآن وأقدر أعمال أمريكي أو فرنسي أو روسي؛ يهودياً كان أو نصرانياً.. ولكن ألا يتم حبي لأعماله الطيبة وتقديري لها إلا بأن أدخله الجنة أو أرفعه إلى مقام الشهادة إن مات أو قُتل؛ في الوقت الذي لا أعرف فيه أنا نفسي مصيرَ نفسي، ولا على أي شيء سيقبضني الله جل علا؟!
مَن الذي يحتكر الجنة الآن؟!
مفاتيح الجنة والنار ليست في يد أحدٍ امتلاكاً.. ولكنها في النهاية (مفاتيح) لا تُفتح الجنة إلا بها.. وخالق الجنة الذي نعبده نحن المسلمين أخبرنا بشروط فتح الجنة؛ فنحن نقف عند هذه الشروط ولا نخترع شروطاً من عند أنفسنا.. أما أنتم فيبدو أنكم تريدون أن تصبحوا آلهة مع الله أو فوق الله- حاشا لله- لتقرروا له جل وعلا مَن يدخل الجنة ومَن يدخل النار!!
الحقيقة.. أنتم لستم معاتيه فقط.. بل سفلة أفاكون مجرمون تقيمون محاكم تفتيش لكل من يخالفكم الرأي معتمداً على أصول الدين وأحكام الشريعة؛ لإسقاط أصول الدين وأحكام الشريعة!!
لا يا سفلة.. لن نترحم على غير مسلم أبداً حتى لو كنا نحب أعماله ونقدرها ونحزن لألمه ومصابه.. لن نترحم عليه، كما لن نسكت- وقتَ البيان- عن الصدع بإثم من يترحم عليه أو يرفعه لمرتبة الشهادة!!
سلوا قساوسة النصارى الصادقين مع أنفسهم عن ميت لم يعرف المسيح.. هل له نصيب في ملكوت السماء؟! سلوا أحبار اليهود عن مثل ذلك؟! سلوا أصحاب كلِّ ملةٍ أو نحلة تؤمن بالبعث والنشور واليوم الآخر عمن لا يؤمن بملتها أو نحلتها.. ما مصيره؟!
لماذا تصرون على حشر الإسلام تحديداً في وساخات عقولكم؟! إن كان لا يهمكم الإسلام أصلاً فلماذا تُدخلونه في كل سفالة تتسافلون بها وفيها؟!
عزوا أهلها- صَبَّرَهُم الله- ونُعزيهم معكم؛ بل قبلكم.. عزوهم بما يُعزِّي به المسلمُ غيرَ المسلم؛ بالصبر وجبر الكسر والإخلاف.. وأمثال ذلك من كلمات التعزية التي لا تنتهك محرماً ولا تُسقط أصلاً.. أما أن تجبرونا على ارتكاب محرم في التعزية، أو تمرروا محرماً- مستغلين حالة الحزن والتعاطف-؛ فلا والله لا يمكن السكوت عن ذلك أبداً..
***
وأنتم يا من تتحدثون عن (الذوقيات) و(أدب الوقت)، و(لكل مقامٍ مقال): (اقعدوا على جنب الله يهديكم).. إنْ كان هان عليكم دينُكم فجعلتم الدفاع عن أصوله ساعةً وساعة، أو جعلتم الله جل وعلا أهون الناظرين إليكم بدعوى الذوق وأدب الوقت؛ فإنه لا يزال في المسلمين مَنْ لم يَهن عليه دينه، لا يزال في المسلمين مَن يرى دينَه لَحمَه ودَمَه.. وإنكم والله لأحق الناس بالتعزية لمصابكم في دينكم.. ولا مصيبة كمصيبة الدين!!
***
إنَّ هذه الزوابع التي يثيرها العلمانيون المرضى بوهم الإنسانية، والمتأسلمون المرضى بِعُقدِ النقص؛ فيها من الخير أضعاف ما فيها من الشر.. (إذا ما خربت ما بتعمر).. وهذا الخراب المنتشر الآن سيعقبه عَمَارٌ كبير يقر اللهُ به أعينَ الموحدين، ويُسعد به قلوبهم، ويكبت به أهل الزيغ والضلال.. سيتعلم الجاهل، ويتنبه الغافل، ويستقيم المنحرف.. “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم”!!
د. علي فريد الهاشمي