من أسوأ المسالك في الرد على الشبهات ، والدفاع عن الإسلام تجاه تخرصات خصومه : مسلك الإنكار لحكم شرعي ثابت اتخذه الخصوم وسيلة للتشنيع ، بدلا من الإقرار بشرعية ذلك الحكم ابتداء ، ثم السعي لدفع الإشكالات عنه ، وبيان عدم تعارضه بحال مع الفطرة الإنسانية السليمة ، والعقل البشري الرشيد ، الخالي من التحيزات والأحكام المسبقة .
وعلى سبيل المثال فإن مسائل مثل : تعدد الزوجات ، وإعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث ، وحق القوامة للرجل ، ومشروعية الطلاق ، ووجوب الحجاب على النساء ، والحدود الشرعية مثل قطع يد السارق ، وجلد الزاني والقاذف وما أشببها من مسائل ، لا يصلح بحال أن تواجه شبهات المنصرين والمستشرقين والنسويات والملحدين حولها بإنكار أنها من الدين ، أو الزعم بأنها ليست من أحكام الإسلام أصلا ، فذلك أسلوب خاطيء في نفسه ، ومفسد ومدمر للمتلقي ، لأنه يعتبر مغالطة فجة يسهل تفنيدها وإفحام صاحبها ، كما يلزم عنه الطعن في مصادر الإسلام ، وتراث المسلمين العلمي ، ومصداقية علمائه عبر القرون .
ولهذا كله فإن تصريح شيخ الأزهر بالأمس على صفحته الشخصية ، والذي ذكر فيه أن الله حرم ” الرقَّ بكافة أشكاله وصوره ” كلام غريب ، ومصادم لنصوص الكتاب والسنة ، ونصوص الفقهاء بكافة مذاهبهم والتي لا تخلو من الكلام عن أحكام الرق والرقيق في أبواب فقهية عدة.
نعم الإسلام ضيق منابع الرق جدا ، وحرم أن يسترق حر ، وفتح الأبواب على مصراعيها لتحرير الرقيق ، وجعلها من أعظم القربات ، وأوجبها في العديد من الكفارات ، وألزم المسلمين بحسن معاملتهم في وقت لم تكن الأمم والحضارات المختلفة تعرف لهم حقا أو تعاملهم معاملة البشر أصلا .
والآن لم يعد للرقيق وجود يذكر ، وصارت المسألة كلها من الماضي ، وقد كتب الكثير حول دفع هذا الإشكال بطريق منضبط ، لا أن يقال إن الإسلام حرم الرق جملة وتفصيلا ، بينما القرآن صريح الدلالة في حل ملك اليمين وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وعلماء المسلمين على خلاف ذلك ، والله المستعان .
د. أحمد قوشتي