قبل سنوات قليلة لم يكن يدور بخَلد أحدٍ أن البلاد التي كان لها الفضل الكبير في نشر التوحيد والسنة ومحاربة الخرافة والغلو والبدعة، وخرَّجت من جامعاتها عشرات الألوف من العلماء والدعاة والمصلحين إلى العالم، وكانت شوكةً في حلوق المنافقين والمارقين، ستكون في يوم من الأيام موئلا لأهل الفجور والرذيلة، وملاذا آمنا لأهل الإلحاد والمتطاولين على الشريعة، تُطلق أيديهم الأثيمة وألسنتهم القذرة وأقلامهم المسمومة للنيل مما كان في السابق من الثوابت والخطوط الحمراء التي لا يُسمح بالاقتراب منها !!
يبدو أن الأمر في الآونة الأخيرة قد استفحل من دعاة التغريب والنسوية إلى درجة لم يعد فيها السكوت ممكنا، ففي كل يوم يخرج علينا كاتب ليبرالي بتغريدة من هنا، وصحفي مغمور بمقال من هناك، كمثل الأفاعي التي تطل برؤوسها وتنفث سمها كلما لاحت لها فرصة، فإذا واجهت هذه الزمرُ زمجرةً من أهل الحق انزوت وتوارت وظلت تتربص فرصة أخرى تجد فيها حبلا ممدودا من الداعمين المؤازرين من الخارج، وحماية ورعاية لها من الداخل، وقمعا لصوت الحق وتغييبا لحماته المدافعين عنه من العلماء والشرفاء الذين كانوا لها بالمرصاد في السابق.
السخيف في الأمر أن هؤلاء المسوخ لم يأتوا ولن يأتوا بجديد بل كل أطروحاتهم مجترة ومقتبسة من أسلافهم الذين ناطحوا صخرة الشريعة فانكسرت قرونهم وبقيت الشريعة راسخة محفوظة من الله تعالى بعلمائها المخلصين ودعاتها الصادقين.
لكن الجديد هذه المرة أن الحرب على الشريعة تحولت إلى الانتقاد المباشر لنصوص الوحيين والاستخفاف بها والدعوة صراحة إلى العمل على تحديثها بما يتماهى مع روح العصر ورضا الأعداء.
والأخطر من هذا ظهور النفَس التطبيعي مع الصهاينة بشكل فج ومستفز، والتهجم على منهج القرآن الكريم ونهج الرسول الأمين في التعاطي مع اليهود، والدفاع عن متطرفيهم الذين شتموا نبينا الأكرم في مسيرتهم قبل أيام، وأنه يجب تقبل هذا الأمر بأريحية لأن بيننا متطرفين كذلك يشتمونهم ويصفونهم بأنهم ملعونون وأنهم إخوة القردة والخنازير ، فالكراهية تولد الكراهية !!
والخطير كذلك والغريب أن تنتشر على أسماع الناس أغانٍ تتضمن عبارات غالية في مدح الأكابر لا يمكن أن يقر بها مسلم، منها ما يلي:
لك يسجد القاف وتركع أوزاني .. يا قبلة المدح ولك تستغفر أوزاني ..
ويدمح سجود السهو زلة قوافينا .. الخ، وناقل الكفر ليس بكافر.
أخيرا ..
لقد أخذ الله الميثاق على العلماء أن يقولوا الحق ويبينوه ولا يكتموه، وألا يخشوا في الله لومة لائم، فالموقف هنا ليس موقف استعراض للجسارة ولا لعنتريات جوفاء، بل هو موقف بيان ونصح للأمة وتحذير من عاقبة السكوت عن المنكر المؤذن باللعنة والذلة والهوان، ومزيد من تسلط الأعداء، وذهاب للعزة ومحق للبركة ورد للدعاء.
ألا هل بلَّغت ؟! اللهم فاشهد.
د. جمال الباشا