إيران ليست عميلة لأمريكا، وليست عدوة لها!!
كلتا الفكرتين تدلان على خفة عقلٍ وقلة فهم!!
عن نفسي.. لن أومن بعداء إيران لأمريكا أو عداء أمريكا لإيران إلا إذا رأيت مُدنَ إيران تُدكُّ على أهلها كما دُكَّت مُدننا على أهلها.. وقتها فقط سأقول إن قواعد اللعبة تغيرت فعلاً، أو أن اللعبة ذاتها لم تعد لعبة.. وكل ما عدا ذلك شكليات يمكن النقاش حولها!!
إيران عدوة لنا نحن وحليفة لأمريكا.. هذه نقطة ارتكازٍ أولى إن لم تفهمها فلا تتعب نفسك في محاولة فهم ما يجري.. ونقطة الارتكاز الثانية أنَّ (نحن) هذه لا تعني (مرتدة الأعراب) مِنْ مشيخاتِ النفط والغاز وجمهوريات العسكر.. هؤلاء ليسوا (نحن).. هؤلاء أعدى أعدائنا وسبب انتكاساتنا.. هؤلاء عملاء أمريكا وحلفاء إيران في ضربنا حين يجد الجد!!
إيران (حليفة) لأمريكا، كما أن مشيخات النفط وجمهوريات العسكر (عملاء) لأمريكا.. الفرق الذي جعل إيران حليفةً ومرتدةَ الأعراب عملاء؛ هو أنَّ إيران تملك مشروعاً قومياً مُغَلَّفاً بوهم الدين وتسعى لتحقيقه.. أما مرتدة الأعراب فلا مشروع لهم سوى البقاء على كراسيهم، وكبح جماح الأمة وتعبيدها لأسيادهم، وفي سبيل البقاء على الكراسي ضربوا وسيضربون- مع إيران وأمريكا- أيَّ مشروعٍ حقيقي لنا.. فتكسب أمريكا دوام حلمها الامبراطوري المغلف بوهم الديمقراطية، وتكسب إيران تجذر مشروعها الفارسي المغلف بوهم الدين، ويبقى مرتدة الأعراب على كراسيهم.. ونظل نحن ندور في حلقة مفرغة بين المنافي والسجون والقبور!!
” لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابل وبغداد بهذه السهولة”.. هذا تصريح محمد أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية في 2004 في محاضرة ألقاها بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتجية بإمارة أبوظبي، إحدى مدن مشيخات النفط والغاز.. والعار!!
تاريخ التحالف بين إيران وأمريكا ضدنا أصبح من المعروف الذي لا يُعَرَّف، وأصبح الحديث عنه أو التذكير به أو رصدُ وقائعه هَريَاً وعبثاً يُملُّ السامعَ ويُضجرُ القارئ، تماماً كتاريخ عمالة مشيخات النفط وجمهوريات العسكر.. الأمر بدأ مع الخميني كامتدادٍ- في هذا الشأن للشاه- ولن ينتهي بخامنئي، والسيستاني، والصدر، وأضرابهم!!
قد يبدو تحالفُ دولةٍ صغيرةٍ مع دولة كبيرة عمالةً وتبعية.. وهذا صحيح في العموم شرط عدم امتلاك الدولة الصغيرة لمشروع خاص بها.. في حالة إيران يبدو الأمر تحالفاً لا عمالة فيه لامتلاكها مشروعها الخاص، وفي حالة مرتدة الأعراب يبدو الأمر عمالة لا تحالف فيه لانعدام المشروع.. وفي الحالتين لا يوجد عداءٌ حقيقي بين إيران وأمريكا.. لا مقاومة ولا صمود ولا تصدي.. ولا كل هذا (البطيخ المبسمر) الذي يُشيعه الإيرانيون وأذنابهم من حمقى العرب وأغبيائهم ومثقفيهم؛ تجميلاً لوجه إيران القبيح وحقيقتها البشعة!!
في (العمالة): المربعات ثابتة لا تكاد تتغير إلا حين يُستبدلُ عميل بعميل.. في (التحالف): المربعات تتغير بتغير قواعد اللعبة.. ومنذ مجيء الهالك الخميني وحتى هلاك المجرم سليماني كانت (بعضُ) قواعد اللعبة تنص على: تهديد إيران وضرب العرب!!
تعاونت إيران مع أمريكا تعاوناً مذهلاً في إسقاط أفغانستان والعراق، وأطلقت أمريكا يد إيران في المنطقة كلها: شاماً وعراقاً ويمناً، بل إن أمريكا غضت الطرف أيضاً عن تمدد إيران الثقافي والاقتصادي والديني في القرن الأفريقي وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية، وكانت أمريكا مع إيران في هذا الشأن أشبه بقول الشاعر:
ليس الغبي بسيدٍ في قومه
لكن سيد قومه المتغابي
صادت أمريكا بإيران أعداءها الحقيقيين في المنطقة.. ولا أعداء لأمريكا في المنطقة سوى المجاه..دين.. هؤلاء هم الأعداء الحقيقيون لها.. وما عداهم ليسوا أكثر من عملاء أو حلفاء ينتقلون بين المربعات حسب السياقات الزمنية والمكانية المختلفة.
وظنت إيران أنها أرجعت بأمريكا عرش الشاهنشاه وراية الصفوي التي مزقها سليم الأول في العاصمة تبريز بعد معركة (جالديران)؛ فسيطرت على العراق والشام واليمن، وتوسعت توسعاً ظنت معه أنه يمكنها الخروج من تحت عباءة الأمريكي إلى الهواء الطلق.. وهنا يكمن مقتل الحليف الغبي الذي حقق بحلفائه مكاسبَ ظَنَّ أنه حققها بنفسه.. ووهم القوة كقوة الوهم يُعمي الأبصارَ ويُذهلُ البصائر!!
السؤال الآن: ماذا ستفعل إيران؟!
الجواب: ولماذا تظن أصلاً أن إيران يجب أن تفعل؟!
كلبُ صيدٍ أطلقه سيدُه ليصيد به فرائسه؛ فأكلَ الكلبُ بعضَ صيدِه قبل إذن سيده، فقرعه سيدُه بالعصا ليعيده إلى الجادة.. فعاد إلى الجادة.. هذا هو الأمر ببساطة!!
قد ينبح الكلبُ على سيده انطلاقاً من فِطرتِه في النباح.. قد يتقافز هنا وهناك غاضباً.. قد يعدو على كلاب سيده الأخرى فينهش هذا ويعض ذاك.. قد يتبول على نار سيده التي أشعلها لِشَيِّ صيده والاحتفال به.. سيظل سيده ينظر إليه بهدوء ثم يهبشه هبشةً إثر هبشة حتى يعرف قدره فيهدأ غضبه ثم يأتي صاغراً ذليلاً يتمسح بقدم سيده محركاً ذيله دلالة على الخضوع والتوبة!!
قد تُطلق إيران بعضَ (ألاضيشها) في العراق والشام لضرب مصلحةٍ أمريكية هنا ومنشأةٍ أمريكية هناك.. قد توعز للحوثي- كما فعلت من قبل- بضرب حاملة نفط أو قصف الرياض أو الدمام.. بل قد تُهرِّبُ للمجاه..دين أنفسهم- الذين يكفر.ونها وتكف.رهم- بعض الأسلحة النوعية، وتسرب لهم إحداثيات أماكن أمريكية حساسة في المنطقة لعلمها أن المجاه..دين لن يتوانوا عن استخدام هذا السلاح في ضرب تلك الأماكن..
هذا وأمثاله وأضرابه ما يمكن أن يحدث إن كان سيحدث شيء.. أما الكلام عن إشعال المنطقة ونشوب حرب عالمية ثالثة؛ فهو من قبيل (اللكلوك الفارغ) الذي تُوحِي به قناةُ الجزيرة إلى الطيبين لتملأ فراغ أوقاتهم وعقولهم قبل أن يغطوا في نوم عميق بعد يوم عملٍ شاق.. “وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم”!!
د. علي فريد
مِن مقال قديم بعنوان: (قاسم سليماني.. إلا طحين)