لن يأتيك سيل من الإعجابات لأنك قرأت لابنك قصة متقنةً نافعة قبل النوم..
لن تتحول لـ”انفلونسر” لأنك نجحت في كظم غيظك وأنت تقود في الزحام..
لن يعيد أحد تغريد نصيحة طيبة صادقة قدمتها لأخيك في الله لتخفف عنه كربه..
لن تصير من المشاهير لتمكنك من ربط موقف بسيط من حياة أبنك بالقرآن والسنة..
ولن يصفق أحد لجهودك الحثيثة لتلتزم أمر الله وإن كان ضد هواك..
تواضعك للخلق، عفوك عمن أساء إليك، إماطتك حجراً عن الطريق وغيرها مواقف كثيرة تمر في الحياة لن يطلع عليها إلا الله ولن يعلمها من البشر أحد.. لكن إخلاصاً وصدقاً حقيقياً فيها قد يكون ما يرجح كفة الميزان وينجينا عند الله مقابل أعمال قد يعجب بها الناس ويشتهر صاحبها ولا تعدل في الميزان حبة رمل..
فكم من صحابي وردنا أنه من أهل الجنة ولم نعرف اسمه (الذي ينام وليس في قلبه غلٌّ على أحد مثلاً)، ولا ينقص ذلك من قدره عند الله شيئاً، ولا يضره عدم معرفتنا له شيئاً..
ولعل من أشد شرور مواقع التواصل وانفتاح العالم وبروز الكاميرات في كل المواقف هي تحويل رضا الناس ومعرفتهم بالعمل واشتهار صاحبه به إلى معيارية لفضله وأثره، وبالتالي تبخيس العمل الذي لا تطلع عليه الجماهير، وانصراف الناس عنه، والحال أن عبادة خلوة مخلصة قد تزن جبالاً من أعمال تطوعية تنتشر صورها في مواقع التواصل ويعجب بها الآلاف..
ولننظر لقصة الراهب الذي عبد الله في صومعة سبعين سنة، ثم ما أنجاه عند الله إلا رغيفٌ تصدّق به على مسكين..
روي أنه لمّا حضر أبا موسى الوفاة قال : يا بنيّ اذكروا صاحب الرغيف، قال: كان رجل يتعبد في صومعة أراه قال: سبعين سنة، لا ينزل إلا في يوم أحد، قال : فنزل في يوم أحد، قال: فشبّه أو شبّ الشيطان في عينه امرأة، فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال، قال: ثم كُشِف عن الرجل غطاؤه فخرج تائباً، فكان كلّما خطا خطوة صلّى وسجد، فآواه اللّيل إلى مكان عليه اثنا عشر مسكيناً، فأدرك الإعياء فرمى بنفسه بين رجلين منهم، وكان ثمّ راهب يبعث إليهم كل ليلة بأرغفة، فيعطي كل إنسان رغيفاً، فجاء صاحب الرغيف فأعطى كل إنسان رغيفاً، ومرّ على ذلك الذي خرج تائباً، فظن أنه مسكين فأعطاه رغيفاً، فقال المتروك لصاحب الرغيف: ما لك، لم تعطني رغيفي، ما كان لك عنه غنى، قال: تراني أمسكه عنك، سل هل أعطيت أحداً منكم رغيفين، قالوا: لا، قال: إني أمسك عنك والله لا أعطيك شيئا الليلة، قال: فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه، فدفعه إلى الرجل الذي تُرِك فأصبح التائب ميتاً، قال: فوزنت السبعون سنة بالسبع الليالي فلم تزن [أي رجحت السبع ليال على السبعين سنة]، قال: فوزن الرغيف بالسبع الليالي، فرجح الرغيف، فقال أبو موسى: يا بني اذكروا صاحب الرغيف .(المصنف في الأحاديث والآثار- ابن أبي شيبة)
بقلم تسنيم راجح