قبل أسابيع قام تلفزيون العربى” التابع لعضو الكنيست الصهيونى “عزمي بشارة ،في أحد البرامج باستضافة” المدعو”أحمد صبحي منصور”، فصال وجال ونهق وخار وأرغى، وأزبد، قائلاً :بأن “السياسة ما دخلت في شيء إلا أفسدته”، واستشهد بتفسير قوله تعالى “وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) من سورة التوبة، وزعم هذا الأفاك زوراً وبهتاناً، أنها تقصد الصحابة الذين كانوا مقربين من النبي حينها وأصبحوا لاحقا هم الخلفاء الراشدون للدولة الإسلامية في أول عهدها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، متهماً الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أنهم جواسيس قريش !
ولم يكتف “عزمى بشارة” بالنيل من ثوابت الإسلام عبر صبيانه فى الإعلام العبرى”العربى” باستضافة المارقين ليطعنوا فى ثواتب الإسلام ورموزه ،بل قام بشارة ذاته بهذا الدور انطلاقاً ،من تصوراته العلمانية ،التى تصر على نزع الموروث الديني والإيديولوجي ، والدعوة للعلمانية الصريحة، فيمايعرف بالإسلام العلمانى أوالليبرالى .
ويظهر مكنون بشارة من خلال حديثه عن ثورات الربيع العربى ،من خلال منطلقاته الأيدلوجية اليسارية، فهو خرج من رحم “الحزب الشيوعي الصهيونى” المعروف باسم”الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” “حداش”.
والطريف أن بشارة مازال يعيش أوهام القومية، رغم الفشل والتخلف الذى جنته الأمة من خلال الأبواق القومجية ،وفكرة القومية التى تم تسويقها كبديل عن دولة الخلافة الإسلامية،فيرى بشارة أن التيار القومي هو التيار الوحيد القادر على حل هذه الإشكالية ورأب الصدع العروبي، وحل إشكالية الوطن والمواطن، يقول في مقالة له: (.. تنظيم التيار القومي على أساس ديمقراطي في المنطقة العربية بحيث يشكل بديلاً حقيقياً وليس مجرد حنين إلى الماضي أو شعارات لا تخاطب الواقع المعاصر للأمة العربية. …..وباعتقادي هذا كفيل بمنع فرز على الساحة العربية بين قوى راديكالية متطرفة دينية من جهة، وقوى موالية للأمريكان من جهة أخرى).
اليوم بشارة يطعن فى إجماع الأمة بأن ترتيب آيات وسور القرآن فى المصحف توقيفي، فيقول فى كتابه، الدين والعلمانية: “انتهت ادعاءات ابن مسعود وابن كعب ضد مصحف عثمان، وكذلك مقولات مالك بن أنس وأبي بكر الباقلاني في شأن اجتهاد الصحابة في ترتيب الآيات بالمرجعية الدينية والسياسية ،التى جعلت هذا الإيمان جزءا من العقيدة.ووضع حد للنقاش لغرض الحفاظ على وحدة الجماعة،لا بالحجة العلمية.
انتهت كذلك حجة عائشة عن طول “سورة الأحزاب”التى كانت تقرأ مئتى آية أيام النبى- صلى الله عليه وسلم،وآمن الناس بالقرآن ،كما دون مصحفاً. ويكمل فكرته بقوله:حتى لوتجاوزنا النقاش فى شأن العلاقة بين القرآن المحفوظ والمصحف المدون ،فإن الفرق بين القرآن والكتب المقدسة لبقية الديانات التوحيدية يتمثل فى أن الأخيرة كما يعتبرها المؤمنون أنفسهم مجموعة كتب لمؤلفين مختلفين منها مايحمل طابعا قدسيا وعظيا ومنها مايحمل طابعا قصصيا سرديا روائيا، وقد كتب فى حقب مختلفة وجمعت فى حقبة أخرى بنظر المؤمنين.
وكان من السهل تعريضها للنقد والبحث العلمى،فضلاً عن التفسير المجازى المتجاوز للحرفية والباحث عن عبر أخلافية.
وقد رد عليه الدكتور الشنقيطى بقوله: “يطبق جماعة تمسيح الإسلام نتائج البحوث الغربية في تاريخ التوراة والإنجيل على القرآن الكريم. فيشككون في صحة نقله إلينا، ويزعمون أن إيمان المسلمين بذلك جاء بقرار سياسي “لغرض الحفاظ على وحدة الجماعة، لا بالحجة العلمية”. ونسي هؤلاء أن الاستشراق بذل جهودا أفضل من جهودهم فلم يرجع بطائل” انتهى.
ونحن بدورنا نقول لعزمى بشارة إخسأ ولاتعدو قدرك.
لأن قياس القرآن على الكتب السابقة قياس فاسد، لأن هذه الكتب حرفت وغيرت وبدلت، في حين أن النص القرآنى الذى يحاول بشارة إخضاعه للنقد والتفسير العلمى، تولى الله حفظه كما قال تعالى:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)الحجر آية 8″.
وأما ترتيب الآيات فتوقيفي قطعاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت الآية يرشدهم إلى موضعها من السورة، كما أنهم أخذوا عنه القرآن، وأن ترتيب الآيات لا مدخل للاجتهاد فيه.
وقد قال الحافظ” السيوطي” : “الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين”.
وأما ترتيب السور وإن كان باجتهاد الصحابة فإنه قد حصل بتوجيه من الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وبحضور الصحابة وموافقتهم عليه ؛ وتلقت الأمة هذا الترتيب بالقبول فكان إجماعاً على سنة من سنن أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أُمرنا باتباع سنتهم.
كما جاء في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله؛ كأنها موعظة مودع، فأوصِنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة».
قال الإمام الصنعانى رحمه الله في سبل السلام:” فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها, فإن الحديث عام لكل خليفة راشد لا يخص الشيخين. ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يُشَرِّع طريقة غير ما كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم…”
أما مايقوم به عزمى بشارة، ومن لف لفه من التشكيك والطعن في صحة نقل القرآن إلينا، فهو مخالفة صريحة لما أجمعت عليه الأمة، وحالهم كما قال الشاعر:
كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها * فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ.
د.عز الدين الكومي