يدّعي أتباع الفرقة الحدادية أنهم يتعرضون للاضطهاد والظلم بسبب تمسكهم بكلام السلف وتفسيراتهم لنصوص القرآن والسنة، بينما هم يتمسكون بفهمهم الخاص لبعض صفات الله وأحكام التكفير والتفسيق والتبديع، التي ينسبونها إلى منهج السلف، مع مبالغات تخرج عن السياق العلمي الراسخ.
يعتقدون أن هذه المواقف هي ما تجعل الجميع، حتى أقرب الناس إليهم فكريًا، ينقلبون ضدهم، وهذا غير صحيح فالواقع يكذبهم ويكشف زيف هذا الادعاء، فهناك من العلماء من يلتزم بمنهج السلف وتقريرات أهل السنة يعيشون في بلاد يتولى السلطة فيها أشاعرة وماتريدية وفي نفس الوقت يتكلمون بعلم على طريقة أهل السنة ولا أحد يتعرض لهم في هذا الباب تحديدًا وإن وجدت بعض التجاوزات من طرف السلطة فهي غالبًا فردية وليست عامة.
كذلك هؤلاء يكذبون بانتسابهم إلى السلف، فهم أبعد الناس عن منهج السلف وقد اختبرناهم كثيرًا فما وجدنا إلا مخالفة السلف مع أول اختبار رأينا ذلك في تناقضات كثيرة لا تعد ولا تحصى لمحمد شمس الدين وغيره.
الحقيقة التي يغفل عنها الحداديون أن الرفض المجتمعي لهم ليس بسبب آرائهم العقائدية فقط، بل السبب الحقيقي لهذا الرفض هي طريقتهم المنفرة ومنهجهم الخبيث في إثارة الفتن وإثارة النعرات الفكرية، ومحاولة حمل العلماء والدعاة على أفكارهم العفنة التي لا يتبناها إلا مريض العقل وأسود القلب.
وعدم فهمهم لهذه المشكلة يشعرهم دائمًا بالمظلومية والمقارنات الفاشلة بينهم وبين الأشعرية مثلا في المعاملة، ومن الصعب إقناعهم بأصل المشكلة لأن رؤوس هذه الفرقة يزرعون في عقولهم أن خصومهم جميعًا يقبلون أخطاء الأشاعرة الكبيرة (وهذا كذب) ولا يقبلون أخطاء الحدادية البسيطة (حسب زعمهم) وبذلك تستمر المظلومية!
والحقيقة أن محل النزاع معهم في عدم إعذار العلماء، وطريقتهم المنفرة وأسلوب النقد الفج، إضافة إلى عدم التزامهم بكلام العلماء وإثارة الفتن والنعرات، ومحاولاتهم لإسقاط أهل العلم، وسوء الأدب في التعامل مع المخالفين، وتسليط الجهال على تكفير العلماء بأعيانهم وإحداث بلبلة بين المسلمين.
وحوادث التاريخ تشهد بأن المناقشات الكلامية الحادة في هذه المسائل قد تتطور إلى معارك تراق فيها الدماء البريئة وهذا سبب شدة وغلظة خصومهم التي لا يفهمونها.
من هذه الحوادث على سبيل المثال لا الحصر ما ذكره الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية حادثة وقعت في بغداد سنة 317 هـ، حينما اشتبك أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي مع عامة الناس بسبب اختلاف في تفسير آية: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [الإسراء: 79].
قال الحنابلة: “يجلسه معه على العرش”، بينما قال الآخرون: “المقصود هو الشفاعة العظمى”.
اقتتلوا بسبب هذا الخلاف وسقط قتلى، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إذا كانت مثل هذه الفتن قد وقعت بسبب خلافات فكرية جزئية، فكيف بمواقف الحدادية اليوم التي تنطلق من منهج أقرب إلى الخوارج في إقصائه للمخالفين، وتكفيره للأمة، والتصعيد المستمر ضد العلماء والمجتمعات؟
أتباع هذه الفرقة لا يعترفون بأي سلطة علمية، ولا يحترمون العلماء، بل يتخذون من الطعن والتفسيق والتكفير سلاحًا ضد خصومهم وعندهم جرأة عجيبة على إسقاط العلماء والدعاة على أتفه الأسباب.
يتجاوزون الحدود الشرعية والأخلاقية باستخدام أساليب خسيسة، كالتبليغ عن القنوات الإسلامية، تهديدات بالقتل، والتشهير بالمخالفين، لدرجة اعتبارهم “أكفر من اليهود والنصارى” إضافة إلى الوشاية عند الحكومات عبر استحضار مواقف سابقة لخصومهم.
مثل هذا السلوك يجعلهم منبوذين في أي مجتمع وحتى الحكومات التي يحاولون الإبلاغ عن خصومهم عندها لم تأخذ كلامهم على محمل الجد لأن الحقيقة تقول: هؤلاء يريدون حمل خصومهم على التطرف والتشدد والتكفير والتفسيق، ولا يمكن أن يتقبل أحد طائفة مثل هذه تعيث في الأرض فسادًا وتنشر الفتن بين المسلمين حتى لو كان خصومها لديهم بعض المشكلات الفكرية.
بعد توسع الثوار في حلب وحماة واقترابهم من حمص بدأت تظهر تعليقات عن زيارة المدعو محمد شمس الدين إلى سوريا وقد رأيت في التعليقات بعضهم يدعوه للطعام في حلب، وهو أيضا كتب منشورا يسأل فيه عن شخص يدعوه للطعام في حلب.
وفي الحقيقة هؤلاء لا مكان لهم في المجتمعات الإسلاميةـ وأقصد هنا عند الجهر بطريقتهم السفيهة، فإنهم قد يتعرضون للأذى بلا شك من العامة قبل الحكومات، وبالمناسبة هم دائما يقارنون أنفسهم بأهل الضلال أو الأقليات الأخرى ويقولون: يتقبلون الكافر ولا يتقبلون المسلم.
يا عزيزي الحدادي أصلا هذا الكافر نفسه لو أثار الشقاق والفتنة في المجتمع بنفس طريقتك، فسوف ينكل به مثلك تمامًا، ووجوده في المجتمع قائم على عدم إثارة الفتنة ولكنكم لا تعقلون ولا تفهمون أين المشكلة.
لذلك تجد الحدادي الذي يعيش في المجتمعات الإسلامية مثل الخليفي في الكويت مثلا يتجنب الأضواء ويتكلم في تليجرام فقط ولا يصرح بتكفير وتفسيق الأئمة رغم علم الجميع أنه أشد تطرفا من محمد شمس الدين وهذا سببه ليس الحكمة وإنما الخوف من المشكلات التي قد يتعرض لها إذا صرح بالتكفير.
وهناك مجموعة حدادية أيضًا تعيش في الأردن ولا أحد يتعرض لها هناك رغم سطوة الأحباش وهم فرقة أشعرية متطرفة ويطلق عليها حاليا اسم حدادية الأشاعرة، لأنهم أيضا لا يستخدمون طريقة السفهاء الصغار وإنما يكتفون بإسناد محمد شمس الدين والخليفي بطريقتهم الخاصة وربما أحيانًا عبر مجموعاتهم وقنواتهم بطريقة ملتوية.
وهناك حدادي متستر في السعودية يدعى عادل آل حمدان يعمل في تحقيق الكتب ولا أحد يتعرض له لأنه لا يصرح بما يصرح به سفهاء الحدادية في أوروبا.
لذلك تجد غالبية هؤلاء الغلمان يعيشون في الغرب.
في ظل هذا السلوك العدائي، طرح أحدهم سؤالا افتراضيًا: ما مصير الأقلية الحدادية في المجتمعات الإسلامية؟
الحقيقة أن منطق الحدادية يجعلهم دائمًا في مواجهة مباشرة مع المجتمع ولا يمكن أن يتقبلهم أحد.
وقد نشر أحدهم صورة ساخرة تحاكي ما يمكن أن يكون عليه هؤلاء في المستقبل القريب بعد استقرار الأوضاع في سوريا.
هم يرون في أنفسهم ضحايا “للكفر المجتمعي”، بينما الحقيقة أنهم يفتقرون إلى أدنى مقومات التعايش مع المسلمين، وفي نفس الوقت هم يستطيعون التعايش مع الكفار وتلبية طلباتهم بكل سهولة ودون حرج!
من أبرز شخصيات هذه الفرقة، محمد شمس الدين، الذي يهاجم المجتمعات الإسلامية بلا هوادة، وعندما سُئل عن سبب إقامته في ألمانيا بدلًا من أفغانستان، قال إن أفغانستان تجبر الناس على المذهب الحنفي والعقيدة الماتريدية بينما في ألمانيا ينعم بالحرية الدينية.
هذه الادعاءات، التي ثبت كذبها، تعكس رغبته في إشعال الفتن في المجتمعات الإسلامية وهو يعلم عاقبة ذلك وأنه لن يسمح له بممارسة منهجه المتطرف في المجتمعات الإسلامية.
فهو يريد حقيقة أن يتمكن في أفغانستان من تكفير الأشاعرة والماتريدية وانتقاد علمائهم علنًا دون مساءلة ويحدث فتنة بين المسلمين هناك، بينما يلتزم في ألمانيا بالقوانين ويحترم الجميع (اليهود والنصارى والشواذ وعباد الأوثان) ولا يتعرض لهم بسوء بل حذف سلسلة يكفر فيها اليهود والنصارى مراعاة لمشاعرهم وتطبيقًا للقانون الألماني الصارم في هذه الأمور.
هذا التناقض يكشف جوهر أزمة الحدادية؛ فهم يريدون حرية مطلقة في الطعن والفتنة داخل المجتمعات الإسلامية، بينما ينضبطون تمامًا في دول الغرب، مراعاةً للقوانين التي لا يتجرؤون على تجاوزها.
الخلاصة: الحدادية ليست مجرد فرقة فكرية، بل منهج يؤدي إلى التصادم والتنافر.
هم أشبه بالخوارج في رفضهم للمجتمع، ومحاولاتهم لتفكيك وحدة المسلمين.
إذا أرادوا التعايش في أي مجتمع، فلا بد لهم من الالتزام بآداب النقد البناء، والابتعاد عن التفسيق والتكفير والخروج على علماء المسلمين وتصدر الساحة الفكرية وهذا لن يسمح به أحد إلا ألمانيا ودول الغرب التي تريد الفرقة بين المسلمين.
لا سبيل لهؤلاء إلا تعديل منهجهم واتباع طريقة علماء أهل السنة على مر العصور في التعامل مع المخالفين ومراعاة البيئة المحيطة وكسب قلوب الناس، وإلا فسيبقون دائمًا محاصرين بين شعورهم بالظلم وتناقضاتهم التي تجعلهم منبوذين في كل مكان ولن يجدوا لأنفسهم مكانًا إلا بين الكفار الذين تركوهم لا لحرية الرأي وإنما لأن هذا يخدم مخططات العدو.
مصطفى الشرقاوي