تخيل أن أتباع المنهج الحدادي المهجن يقضون أوقاتهم في قراءة كتب السلف، ليس لزيادة الإيمان أو تعلم الدين كما ينبغي، بل لتصيد الزلات وتكفير وتبديع أكبر عدد من العلماء السابقين والمخالفين لهم من المعاصرين، وجعل المسلمين ينشغلون بالاقتتال والخلاف فيما بينهم بينما يقتل العدو المسلمين في غزة وسائر بلاد المسلمين.
فبدلاً من أن تكون هذه الكتب وسيلة لنشر الهداية وتقريب القلوب، أصبحت عندهم أداة لإشعال الفتن في الأمة التي تعاني أصلاً من الضعف والهوان، وكأنهم يخدمون أعداء الإسلام دون وعي.
تأمل معي: لماذا اختار أتباع المنهج الحدادي التركيز على باب الصفات تحديداً وليس الجهاد في سبيل الله أو تطبيق أحكام الله في الأرض وإقامة دولة الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعلم من السنة والأثر انشغالا بين الصحابة بمسائل الصفات؟
لماذا يركز الحدادية على مهاجمة علماء الإسلام الذين خدموا السنة، وسعوا لنشرها وحفظها، وكانوا أكثر العلماء قبولاً بين الأمة، بتهمة تأويل الصفات أو تحريفها، بينما يتجاهلون تحريف اليهود والنصارى للصفات؟
لقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم تحريف أهل الكتاب لآياته ونسبتهم الولد إليه، فقال سبحانه:
“فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا” (البقرة: 79).
وقال عن نسبتهم الولد: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ” (التوبة: 30).
وعلى الرغم من بشاعة هذه الانحرافات وما يقوله النصارى عن رب العالمين من صفات النقص والحلول في البشر والتواجد في كل مكان وتناول الرب في الطعام عياذًا بالله، نجد أن محمد شمس الدين، وهو رأس الحدادية المهجنة، عندما سئل عن علماء الأشاعرة بالمقارنة مع اليهود والنصارى، انحاز لأهل الكتاب، وقال: “هم يعرفون أين ربهم!” في دفاع صريح عمن كفرهم الله في كتابه، بينما لا يزال يهاجم علماء الإسلام المعروفين بحفظ السنة ونصرتها.
وقد خصص الشيخ طارق السيد، صاحب قناة “مكافح الشبهات”، حلقة كاملة للرد على هذا التصريح الفاجر، الذي خالف به محمد شمس الدين كل الأعراف الدينية والمنطقية، بل وكل ما أجمعت عليه الأمة عبر قرونها.
فهل يعقل أن يتم تجاهل تحريف اليهود والنصارى الذين كفرهم الله ورسوله، بينما تُشنّ الحملات على علماء الأمة الذين سعوا لنصرة الدين رغم اجتهاداتهم البشرية؟ أين العدل في هذا؟ وأين اتباع المنهج القويم الذي يأمرنا الله به في قوله:
“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران: 103).
“إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” (الحجرات: 10).
لقد انتقوا هذا الباب بعناية فائقة لأنه باب يكثر فيه الجدل والخلاف في المقام الأول، ولا ينبني عليه كثير عمل في واقعنا المعاصر بل ربما تدعم بعض الدول إشعال هذا الأمر لما فيه من تحقيق لمبدأ فرق تسد، وتركوا الأبواب العملية التي تحتاج إليها الأمة، والتي تتطلب عزيمة وجداً للنهوض بها وهذا ما يحاربه أعداء الأمة.
لقد ركزوا على هذا الباب لأنه شهد عبر التاريخ زلات واجتهادات متعددة من العلماء، مما أتاح لهم مجالاً واسعاً للطعن والتبديع، وهم في ذلك أصحاب هوى وليسوا أصحاب حق أو إنصاف، لأنهم يبدعون بلا ضوابط وبالتشهي وحسب المذهب وهم لقطاء في العلم لا مذهب لهم في الحقيقة، فإذا بدعوا عالما بسبب زلة ما وجئنا لهم بمثلها لإمام يعظمونه، اتهمونا بالطعن في العلماء وظهر عوار منهجهم وبدأت المظلوميات والتجارة الرخيصة، وإذا جئنا لهم بإمام يعظمونه وقد حكم عليه السلف بالتجهم سكتوا وخرسوا وجفت حلوقهم وربما أيضًا قاموا بالتشويش مع عدم الرد.
وانظروا إلى تعظيمهم لأبي ثور وهشام بن عمار وقد حكم عليهما الإمام أحمد بالتجهم ومنع الصلاة خلفهم!
وقد أجاد الشيخ طارق السيد في فضح الحدادي المدجن محمد شمس الدين وكشف عوار منهجه وإلى الآن لم يرد على حلقة: محمد شمس يعترف الجهمية هم أئمته
انظروا إلى التماس الأعذار لمفوضة الحنابلة لأنهم تكلموا في الأشاعرة حتى لو وقعوا في أخطاء وزلات أعظم بكثير من بعض الأئمة الذين بدعوهم وكفروهم!
انظروا إلى الدفاع المستميت عن الإمام الهروي لأنه ذكر في أحد كتبه تكفير الأشعرية رغم أن كتابه منازل السائرين فيه من الطوام والزلات والتصوف الفلسفي الذي استغله أهل الضلال لنشر الحلول!
وانظروا إلى هذه الحلقة التي كشفت فيها تناقضات الفرقة الحدادية المهجنة وتخبطهم في اختيار العلماء الذين يعتمدون عليهم من مواقعم ومقاطعهم المرئية والصوتية.
هؤلاء تجاهلوا ما اتفقت عليه الأمة الإسلامية، وأعظمه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. كما تجاهلوا تعظيم هؤلاء العلماء لكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإقرارهم بمرجعيتها واحترام الصحابة الكرام وأهل العلم والفضل من السلف.
أين نحن اليوم من هذه القيم العظيمة؟ وكيف ننشغل بخلافات تسببت في إراقة الدماء وإضعاف وتشتيت الأمة، بينما الأمة بأمسّ الحاجة إلى العمل الجاد والوحدة؟
إن منهج السلف لم يكن يتربص بالزلات، بل كان يقوم على نشر الحق، وتعزيز الوحدة، ودعوة الناس بالحكمة واللين.
فليت كل شاب يتأمل في هذا النهج، وليتساءل:
هل هذا هو دين الله الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب من أجله؟
هل كانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لنشر الشقاق والفرقة بين المسلمين أم لتأليف القلوب وإصلاح الناس بالحكمة والموعظة الحسنة؟
هل كان منهج السلف الصالح تتبع الأخطاء والزلات أم نشر الحق والرحمة بين الخلق؟
هل كان علماء أهل السنة ينشغلون بمثل هذه المهاترات أم كانوا دعاة إلى العلم والعمل، مصلحين لما فسد، ومبشرين لا منفّرين؟
تذكر أن دين الإسلام دين الرحمة والتسامح، وأن الغلو في التكفير والتبديع ليس إلا طريقاً يؤدي إلى الفتنة والفرقة. فراجع قلبك، وأعمل عقلك، واطلب سلامة الصدر وصفاء النية. نعوذ بالله من هذا الفكر المنحرف.
نسأل الله أن يرد المسلمين إلى الحق رداً جميلاً، وأن يجمع قلوبهم على كتابه وسنة نبيه، بعيداً عن الفتن والخلافات.
مصطفى الشرقاوي