من أبرز سمات رؤوس الفرقة الحدادية الجلية إهمالهم للصلاة، تلك الفريضة العظمى وهي من أركان الإسلام.
وتتكشف هذه الآفة من خلال متابعتهم لجلسات الجدل العقيم التي تستهلك ساعاتهم دون طائل، حيث ينغمسون في مناقشاتٍ عقيمة تفضي إلى ترك صلاةٍ أو تأخيرها عن وقتها، بل وقد تضيع منهم الصلوات وهم غارقون في مهاتراتهم التي يطلقون عليها مناظرات!
وقد شاهدتُ مرارًا ما يفعله دمشقية، وهو يترك الصلاة غير مكترثٍ بها، أو يؤجلها حتى يكاد وقت الصلاة التالية يدخل، خاصةً صلاة المغرب، وكذلك محمد شمس الدين يجلس بالساعات ويترك الصلاة حتى نهاية وقتها وأحيانا يترك البث لدقائق معدودة ينقر الصلاة ثم يعود للجدل والمواضيع التافهة.
وأما أتباعهم من غلمان الحدادية فحدث ولا حرج، فقد رصدتُ أكثرهم يجلسون بالساعات الطويلة وبحسب توقيت بلادهم تمر الصلوات دون أن يظهر فيهم أثر الصلاة. فلا نعلم متى يقيمون الصلاة، أم أنهم يجمعونها على هواهم، أم يتركونها بالكليّة؟ كأنما تلبسهم الشيطان بأوهامٍ كاذبة، فزين لهم أن إيمانهم النظري بالله عز وجل وصفاته يكفيهم عن العمل، الذي هو أساس الإيمان وجوهره وقد دخل عليهم الشيطان من هذا الباب وأوهمهم أنهم أفضل حالا من غيرهم.
لقد بلغ بهم الأمر إلى التهوين من استحلال الكبائر والمعاصي، حتى أني سمعتُ أحدهم يقول بكل جرأة: “استحلال الخمر أهون من إنكار العلو.”
ورأيت أحد مخابيل المداخلة -وهي الفرقة الأم للحدادية- يتفوّه بمصيبة أخرى: “الزنا وشرب الخمر أحب إليّ من الاحتفال بالمولد!” أي غرور هذا؟ وأي دينٍ يحمل هؤلاء؟ لقد أعمى الجدل والتعصب بصائرهم، فباتوا يهونون من الانحراف الصريح بدعوى أنهم على عقيدة صحيحة ويتجاهل هؤلاء أن العقيدة تدفع المسلم إلى العمل وليس العكس!
قال شيخ الإسلام في الاستقامة: وجنس البدع وإن كان شرًا، لكن الفجور شر من وجه آخر، وذلك أن الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شرًا من الوجه الآخر الذي هو حرام محض، لكن مقرونًا باعتقاده لتحريمه، وتلك حسنة في أصل الاعتقاد، وأما المبتدع: فلا بد أن تشتمل بدعته على حق وباطل، لكن يعتقد أن باطلها حق أيضًا، ففيه من الحسن ما ليس من الفجور، ومن السيئ ما ليس في الفجور، وكذلك بالعكس. اهـ
أيضا من السمات الأخرى لرؤوس هذه الفرقة أنهم في الظاهر يدّعون الغيرة على العقيدة، ويوجهون الاتهامات بالإرجاء إلى الفرق الأخرى، لكنهم في واقع الحال هم من المرجئة قولا وفعلا.
تراهم مثلا ينادون بتكفير من وقع في بعض الأفعال، ويزعمون أن فاعلها أكفر من اليهود والنصارى، ولا يقبلون في ذلك عذرًا أو تأويلاً. غير أنه إذا حانت لحظة المواجهة واختبار مصداقيتهم، تجدهم يتراجعون ويتبرؤون من التكفير، بل يقولون: “لا نكفّر فلانًا الذي وقع في تلك الأفعال.”
وفي المقابل غلمانهم وأتباعهم يكفرون الناس بغير حسيبٍ أو رقيب، ويتمادون في إصدار أحكام الكفر دون ضابطٍ أو تقوى، ولا نجد من رؤوسهم من يزجرهم أو ينهاهم عن غيهم، بل يتركون لهم الحبل على الغارب.
إنهم يمارسون “التقية” بتلونٍ خادع، يظهرون خلاف ما يبطنون، بينما يتركون أتباعهم يمارسون التكفير بلا رادع، في مشهدٍ يشهد على النفاق الذي يعشعش في مواقفهم، حيث يُظهرون للعامة الحزم والصرامة في التكفير دون التصريح وبهذا يفتحون الباب لكل من هب ودب لتكفير العلماء والدعاة، ويتركون الباب مفتوحًا خلف الكواليس للتهرب والتراجع عند المواجهة.
الفرقة الحدادية تبدو في ظاهرها كمن يُظهر الصرامة والحزم، لكن حقيقتهم تكشف عن مزيجٍ هجين لا ينتمي إلى أصلٍ واضح، فهم ليسوا من الخوارج في عبادتهم، ولا هم من الزهاد الذين طُبعت قلوبهم على التقوى والورع، ولا هم من أهل الإخلاص والتقشف. بل إنهم يجمعون في أنفسهم أسوأ ما تفرّق من الصفات المنحرفة في كل تلك الفرق الضالة.
تراهم يرفعون شعارات التشدّد والتعصب، لكن قلوبهم خالية من نور العبادة الحقّة أو الخشوع الصادق. فلا هم في صفوف المجتهدين العابدين، ولا في زمرة الزهاد المخلصين، وإنما يتنقلون بين التشدد الأجوف والجدل العقيم. إنهم كمن جمع في نفسه كل الآفات، يحملون قسوة الخوارج من غير إيمانهم، ويتظاهرون بالورع دون أن يكون له أثر في أعمالهم.
إن حداديتهم ليست سوى قناع يتخفون خلفه، قناع يتستر على قلوبٍ فارغة من الإخلاص، لكن ملأتها أهواء التعصب والتفرقة، لتكون هذه الفرقة تجسيدًا لكل ما ابتعد عن روح الإسلام وقيمه.
مصطفى الشرقاوي