يتعامل محمد شمس الدين مع قضية واحدة في الصفات الإلهية كأنها جوهر الإسلام كله، متجاهلًا باقي أبعاد هذا الدين الشامل.
لقد جعل من هذه المسألة شغله الشاغل، حتى بات الدين بالنسبة له مجرد نظرية عقائدية مبنية على إثباتات حرفية لبعض الصفات، تاركًا وراءه المعاني الأسمى للإسلام من عقيدة وشريعة وسلوك.
لقد كان من الواضح أن هذه الرؤية الضيقة قادته إلى تصريحاته الأخيرة، حيث أعلن أن ألمانيا، بتسامحها مع نقاشاته حول هذه المسائل، أفضل من أفغانستان من الناحية الدينية. وهو بذلك يثبت أنه لا يرى في الإسلام إلا تلك الجدالات اللفظية حول الصفات، متجاهلاً كل ما هو أعمق وأشمل في هذا الدين.
فإن أفغانستان بجهادها الطويل ضد الاحتلال وبتراثها الإسلامي، وتطبيقها للشريعة الإسلامية، ومنع الاختلاط، والقضاء على المخدرات، ومنع المنكرات في التلفاز، ومنع التبرج في الشوارع، وإلغاء الربا، ومعاقبة من يسب الله، وإقامة الحدود الشرعية قدر الاستطاعة، لا تعتبر عنده شيئًا ما دام خلافه مع حكومتها يقتصر على تأويل بعض الصفات وفرض المذهب الحنفي.
إن علماء أهل السنة تعرضوا على مر التاريخ لأبشع المحن على أيدي خصومهم ولم نسمع أحدهم يمدح ديار الكفر ويذم ديار الإسلام حتى لو حاربته وحاربت أفكاره ومن قرأ سيرة الإمام أحمد وابن تيمية وغيرهما من علماء الإسلام يعلم ذلك جيدًا ويدرك أن أمثال هذا الشخص لو كانوا في عصور المحنة لأجابوا السلطان ونزلوا على رأي أهل البدع بكل سهولة!
هذه النظرة المحدودة للإسلام ليست سوى وجه من وجوه “الحدادية”، تلك الفئة التي تجعل من التركيز المفرط على مسألة الصفات هدفها الأسمى.
يريدون تحويل الإسلام إلى ديانة نظرية بحتة، يتفاخرون بها في جدالات عقيمة ومناظرات سخيفة، متجاهلين بذلك التطبيق العملي للدين والهدف الذي نزل لأجله.
هؤلاء، سواء بقصد أو دون قصد، يخدمون خصوم الإسلام الذين يريدون تفريغه من مضمونه الحقيقي فإننا نتعلم أسماء الله وصفاته لنعرفه بها ونطبق ما علمناه في حياتنا العملية.
فمن ثمرات معرفة الله بأسمائه وصفاته كما جاء في موقع إسلام ويب: والإيمان بأسماء الله عز وجل وصفاته ومعرفتها، له الكثير من الآثار الطيبة والثمرات العظيمة للمؤمن في الدنيا والآخرة، ومن تأمل أسماء الله تعالى وصفاته، وتعلق قلبه به، دله ذلك على باب المحبة، فمحبة الله تعالى ثمرة عظيمة من ثمرات وآثار معرفة أسماء الله وصفاته، لأن العبد إذا عرف عِظم وجمال أسماء الله تعالى وصفاته، تعلق بربه، وامتلأ قلبه حبا له سبحانه، فيتلذذ العبد بكلام الله (القرآن الكريم)، ويأنس بدعائه، ويكثر من ذكره، ويرجوه ويخافه، ويحب ما يحبه، ويبغض ما يبغضه، لأن محبة الله جل وعز التي ملأت وملكت قلبه دافعة له لذلك، وكلما ازداد علمُ العبد بربه، واكتملتْ له معرفته بأسمائه وصفاته، ازداد شوقا إلى ربه، وحنينا إلى لقائه. رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعرف الخَلق بأسماء الله تعالى وصفاته، ولذلك كان أشدهم له خشية، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَوَاللهِ لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَة) رواه البخاري.
لقد أصبحت العقيدة عند هؤلاء جدالًا مستمرًا حول مسائل لم تكن في الأصل جوهرية وإنما كانت اضطرارية في سياق الرد على انحرافات فكرية ظهرت بعد عصر النبوة والخلافة الراشدة، لكنهم، بإصرارهم على استيراد هذه الجدالات إلى زماننا، جعلوا منها مرآة مشوهة للإسلام، وأوقعوا الناس في بحر من النزاعات الفكرية، بينما العقيدة في أصلها هي إيمان وحركة، علم وعمل، ينعكس أثرها في الفرد والمجتمع.
إن العقيدة ليست تاريخًا للجدال الكلامي ولا مجموعة من المسائل التي تنازعت عليها الفرق. بل هي فهم عميق لأسماء الله وصفاته وما تقتضيه من عبادة وسلوك، وحركة دائمة نحو تطبيق هذا الفهم في الواقع.
رحم الله من فقه الإسلام كما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يغرق في تلك التفاصيل الجدالية، بل استقى من النبع الصافي ما يدفعه لخوض معارك اليوم بما يتناسب مع واقع الأمة وتحدياتها الراهنة.
الأمر المؤسف هو أن الحدادية، بتعصبهم لهذه المسائل النظرية، لم يدركوا أن الإسلام أكبر بكثير من تلك الجدالات. لقد أصبحوا أدوات لشق الصفوف بين المسلمين وزرع الفتنة بينهم، يتفاخرون بتدينهم النظري الذي لا أثر له في الواقع.