إني وجدتك ورّادا إذا انقطعت
عُمي الموارد صدارا عن الوُرُدِ
أولا: يقول محمد شمس الدين: “الله يتصرف في ملكه كما يشاء فلو عذبنا ما كان ظالما” وهذا كلام مبناه على نفي التعليل والحكمة في أفعال الله تعالى!
وهو خلاف مذهب أهل السنة ويلزم عنه شنائع لا تخفى على صغار المحصلين.
يقول ابن القيم: “الجبرية نفاة الحكمة والتعليل القائلون بأنه يجوز عليه كل ممكن ولا ينزه عن فعل قبيح …. فيجوز عليه تعذيب ملائكته وأنبيائه ورسله وإكرام إبليس وجنوده أبدا”.
قلت: وهذه اللوازم بينة حتى أنهم صرحوا بها في مواضع كثيرة، ولم ينفها أحد منهم.
ثانيا: تعريفه الظلم بتعريف الجبرية ونفاة الحكمة والتعليل، وهو التصرف في ملك الغير، والصواب عند أهل السنة تعريفه بوضع الشيء في غير موضعه.
يقول ابن القيم: “طرق الناس اختلفت في حقيقة الظلم الذي يُنزَّه عنه الرب سبحانه وتعالى، فقالت الجبرية: هو المُحال الممتنع لذاته كالجمع بين الضدين وكون الشيء موجوداً معدوماً، قالوا: لأن الظلم إما التصرف في ملك الغير بغير إذنه وإما مخالفة الأمر، وكلاهما في حق الله تعالى محال، فإن الله مالك كل شيء وليس فوقه آمِر تجب طاعته.
وقال أهل السنة والحديث ومن وافقهم: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهو سبحانه حكم عدل لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة … وهذا قول أهل اللغة قاطبة، وتفسير الظلم بذينك التفسيرين اصطلاح حادث ووضع جديد”
انتهى كلامه بتصرف للاختصار
فجواب محمد شمس أشعري صرف مبناه على ضلالة وتلزم عنه ضلالات بل لازمه سد باب النبوة من أصله؛ فإن نفاة التعليل لا يجدون سبيلا لدفع احتمال تأييد الله تعالى المتنبئ الكاذب، فلا يبقى من أدلة النبوة ما يعول عليه ، وقد اعترف القرافي بهذا اللازم:
“وعلى قولهم: لو حسن من الله تعالى كل شيء لحسن منه إظهار المعجزة على يد الكاذب، أن حاصل تجويز عدم مراعاة الله تعالى للمصالح يلزم منه تجويز إضلال الخلق بعدم معرفة أوصاف الأنبياء وتمييزهم عن غيرهم فهذه النكتة لا أثر لها ألبتة، مع أن النقشواني، وغيره اعتقدوا أنها في غاية القوة لا جواب عنها، مع أنها لا تستحق جوابا، بل هي مذهبنا بعينه”.
رد محمد شمس الدين على هذا الكلام في قناته
رابط كلامه:
https://x.com/MShmsDin/status/1803575163444699353
قال محمد شمس في تغريدة له: هذا كان فاتح بثي يتربص، فظفر بكلام لي ليقول إني خالفت أهل سنته.
مبارك عليك، شاطر، هذا تفعله -كطالب علم- بدل قيام الليل.
أما عند أهل السنة:
«عن ابن الديلمي قال: لقيت أبي بن كعب، فقلت: يا أبا المنذر، إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر، فحدثني بشيء، لعله يذهب من قلبي. قال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم، كانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم». [مسند أحمد (35/ 465 ط الرسالة)]
«قال إياس بن معاوية: ما كلمت أحدا من أهل الأهواء إلا القدرية، قلت لهم: أخبروني عن الظلم ما هو كلام العرب؟ قالوا: أن يأخذ الرجل ما ليس له، قال: قلت: فإن الله له كل شيء». [السنة لأبي بكر بن الخلال (3/ 559)]
وأما الحكمة فلم ينفها إلا أئمتكم أخزاهم الله.
فنعوذ بالله من جاهل يجهل أنه جاهل ويتطاول على السنة وأهلها. انتهى كلامه
======
[الرد على الأرعن العنيد محمد بن شمس الدين فيما افتراه على السنة وأهلها]
١- يلزمه أن الذين أوردت نقضهم على مقالته جهّال بالسنة ومنهج أهلها، لكنه لن يلتزم كعادته مع رعونته منقطعة النظير.
٢- الذي لا يفرّق بين مقام التأدّب مع الله، وتحقيق مقالة أهل السنة بعد ظهور بدعة متعلقة بالباب أولى بالوصف بالجهل.. والجاهل بالسنة من يبثّ الشبهات بها لعدم فقهها، والحديث مضلّة إلا الفقهاء كما قال سفيان.
افرض أنّ سيّدا اشترى عبدا، فصار ملكًا له.. فرقٌ بين أن يعاقبه لكونه مستحقا للعقاب، وأن يعاقبه لمحض مشيئته وكونه مالكا له. فالأول حكمة والثاني عبث.
وليس لقائل أن يقول: ملك الله تام أما ملك السيد فناقص محدود بضوابط؛ لأن المراد بيان الفرق بين التعليلين (التعليل بالتصرف في الملك والتعليل بالاستحقاق) لا قياس الملك على الملك.
قال شيخ الإسلام في الجواب عن الحديث الذي أورده وما يكون في معناه:
“يبين أن العذاب لو وقع لكان لاستحقاقهم ذلك؛ لا لكونه بغير ذنب، وهذا يبين أن من الظلم المنفي عقوبة من لم يذنب. وكذلك قوله تعالى: {وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد}. يبين أن هذا العقاب لم يكن ظلما؛ لاستحقاقهم ذلك وإن الله لا يريد الظلم”.
وعلّق ابن القيم عليه قائلا:
“وهذا الحديث حديث صحيح، رواه الحاكم في “صحيحه”، وله شأن عظيم، وهو دالٌّ على أن من تكلم به أعرف الخلق بالله، وأعظمهم له توحيدًا، وأكثرهم له تعظيمًا، وفيه الشفاء التام في باب العدل والتوحيد؛ فإنه لا يزال يجول في نفوس كثير من الناس كيف يجتمع القضاء والقدر، والأمر والنهي؟ وكيف يجتمع العدلُ، والعقاب على المَقْضِي المُقَدَّر الذي لا بدّ للعبد من فعله؟
ثم سلك كل طائفة في هذا المقام واديًا وطريقًا.
(((((فسلكت الجبرية وادي الجَبْر وطريق المشيئة المحضة التي تُرَجِّح مِثْلًا على مِثْل، من غير اعتبار علة، ولا غاية، ولا حكمة.
قالوا: وكل ممكن عدل، والظلم هو الممتنع لذاته، فلو عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لكان متصرفًا في ملكه، والظلم تصرف القادر في غير ملكه، وذلك مستحيل عليه سبحانه.
قالوا: ولما كان الأمر راجعًا إلى محض المشيئة، لم تكن الأعمال سببًا للنجاة، فكانت رحمته للعباد هي المستقلة بنجاتهم، لا أعمالهم، فكانت رحمته خيرًا من أعمالهم.))))
وهؤلاء راعوا جانب المُلْك، وعطّلوا جانب الحمد، والله سبحانه له المُلْك وله الحمد.”
وقال شارح الطحاوية:
“وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ الْجَبْرِيَّةُ، وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ فَلَا يَتَأَتَّى عَلَى أُصُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ! وَلِهَذَا قَابَلُوهُ إِمَّا بِالتَّكْذِيبِ أَوْ بِالتَّأْوِيلِ! !
وَأَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ، الَّذِينَ قَابَلُوهُ بِالتَّصْدِيقِ، وَعَلِمُوا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالِهِ، قَدْرَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَعَدَمَ قِيَامِ الْخَلْقِ بِحُقُوقِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، إِمَّا عَجْزًا، وَإِمَّا جَهْلًا، وَإِمَّا تَفْرِيطًا وَإِضَاعَةً، وَإِمَّا تَقْصِيرًا فِي الْمَقْدُورِ مِنَ الشُّكْرِ، وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. فَإِنَّ حَقَّهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ، وَتَكُونَ قُوَّةُ الْحُبِّ وَالْإِنَابَةِ، وَالتَّوَكُّلِ وَالْخَشْيَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ -: جَمِيعُهَا مُتَوَجِّهَةً إِلَيْهِ، وَمُتَعَلِّقَةً بِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الْقَلْبُ عَاكِفًا عَلَى مَحَبَّتِهِ وَتَأْلِيهِهِ، بَلْ عَلَى إِفْرَادِهِ بِذَلِكَ، وَاللِّسَانُ مَحْبُوسًا عَلَى ذِكْرِهِ، وَالْجَوَارِحُ وَقْفًا عَلَى طَاعَتِهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مَقْدُورٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَكِنَّ النُّفُوسَ تَشِحُّ بِهِ…..كَمَا قَالَ أَطْوَعُ النَّاسِ لِرَبِّهِ، وَأَفْضَلُهُمْ عَمَلًا، وَأَشَدُّهُمْ تَعْظِيمًا لِرَبِّهِ وَإِجْلَالًا: «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ»
وَسَأَلَهُ الصِّدِّيقُ دُعَاءً يَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِهِ، فَقَالَ: قُلْ: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» .
فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ الصِّدِّيقِ، الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ – فَمَا الظن بِسِوَاهُ؟”
نأخذ مثاله للبيان.. رجل يملك الأموال وقرّر حرقها، هكذا دون سبب ولا مسوّغ.. والله -عزّ وجلّ- يملك الخلق كلّه، فلا إشكال في أن يصنع فيه ما شاء بلا حكمة ولا علة..
إذن= لا إشكال عند هذا الجاهل في أن تكون الرسالات كذبا، لأنّ هذا من تصرّف الله في خلقه، والله يضلّ من يشاء كما يشاء.
٣- الرد على أهل الضلال والزيغ الكاذبين على الشرع من أمثالك جهاد، والنفع المتعدّي خير من النفع المختص بالعبد وحده يا جاهل. وللسهر على سماع المعازف خير من التصدر للفتيا والتعليم ومستواي كما يظهر منك!
وبكلامك هذا فأتباعك تركوا قيام الليل ويشاهدون بثك!